ومعنى (بِما تَسْعى) بما تعمل ، فإطلاق السعي على العمل مجاز مرسل ، كما تقدم في قوله : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها) في سورة الإسراء [١٩].
وفرع على كونها آتية وأنها مخفاة التحذير من أن يصدّه عن الإيمان بها قوم لا يؤمنون بوقوعها اغترارا بتأخر ظهورها ، فالتفريع على قوله (أَكادُ أُخْفِيها) أوقع لأنّ ذلك الإخفاء هو الذي يشبّه به الذين أنكروا البعث على الناس ، قال تعالى : (فَسَيُنْغِضُونَ)
(إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) [الإسراء : ٥١] وقال : (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) [الجاثية : ٣٢].
وصيغ نهي موسى عن الصدّ عنها في صيغة نهي من لا يؤمن بالساعة عن أن يصدّ موسى عن الإيمان بها ، مبالغة في نهي موسى عن أدنى شيء يحول بينه وبين الإيمان بالساعة ، لأنه لما وجّه الكلام إليه وكان النّهي نهي غير المؤمن عن أن يصدّ موسى ، علم أنّ المراد نهي موسى عن ملابسة صدّ الكافر عن الإيمان بالساعة ، أي لا تكن ليّن الشكيمة لمن يصدك ولا تصغ إليه فيكون لينك له مجرئا إياه على أن يصدك ، فوقع النهي عن المسبب. والمراد النهي عن السبب ، وهذا الأسلوب من قبيل قولهم : لا أعرفنّك تفعل كذا ولا أرينّك هاهنا.
وزيادة (وَاتَّبَعَ هَواهُ) للإيماء بالصلة إلى تعليل الصدّ ، أي لا داعي لهم للصدّ عن الإيمان بالساعة إلا اتّباع الهوى دون دليل ولا شبهة ، بل الدليل يقتضي الإيمان بالساعة كما أشار إليه قوله (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى).
وفرع على النهي أنّه إن صدّ عن الإيمان بالساعة ردي ، أي هلك. والهلاك مستعار لأسوإ الحال كما في قوله تعالى : (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) في سورة براءة [٤٢].
والتفريع ناشئ عن ارتكاب المنهي لا على النهي ، ولذلك جيء بالتفريع بالفاء ولم يقع بالجزاء المجزوم ، فلم يقل : ترد ، لعدم صحة حلول (إن) مع (لا) عوضا عن الجزاء ، وذلك ضابط صحة جزم الجزاء بعد النّهي.
وقد جاء خطاب الله تعالى لموسى عليهالسلام بطريقة الاستدلال على كلّ حكم ، وأمر أو نهي ، فابتدئ بالإعلام بأنّ الذي يكلمه هو الله ، وأنه لا إله إلّا هو ، ثمّ فرع عليه الأمر في قوله (فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) ، ثم عقب بإثبات الساعة ، وعلل بأنها