الثالث : ذهب المحقق الخراساني قدّس سرّه إلى أن التشريع ليس محرما شرعا ، بل هو قبيح عقلا ، نظير قبح المعصية والتجري ، لما فيه من هتك لحرمة المولى ، فالعقل يحكم باستحقاق العقاب معه من دون توسط حكم شرعي. وظاهر شيخنا الأعظم قدّس سرّه ـ حيث استدل عليه بالأدلة الشرعية ـ خلافه ، وقواه بعض الأعاظم قدّس سرّه ، لأن الأحكام العقلية التي لا تستتبع الخطابات المولوية هي الواقعة في سلسلة معلولات التكاليف ، كقبح المعصية والتجري وحسن الطاعة ، دون غيرها مما يكون ناشئا عن إدراك المصالح والمفاسد ، فإنه يستكشف بها الحكم الشرعي ، بناء على قاعدة الملازمة ، فالمقام نظير الكذب القبيح عقلا المحرم شرعا.
وما ذكره قدّس سرّه متين جدا.
وأما ما ذكره المحقق الخراساني قدّس سرّه من كون التشريع بنفسه هتكا للمولى ، فهو بنفسه ـ لو تم ـ لا يمنع من التكليف المولوي ، نظير حرمة سبّ المولى ومعاداة أوليائه ، وموالاة أعدائه ، ولذا يمكن عقلا إباحة المولى له لبعض المزاحمات ، وليس كقبح المعصية. فتأمل جيدا.
الرابع : الظاهر بعد التأمل في المرتكزات والرجوع للأدلة المتقدمة أن المحرم هو نفس التعبد والتدين بما هو أمر قلبي ، كما صرح به المحقق الخراساني قدّس سرّه ، لا العمل المترتب عليه ، بل هو باق على حكمه الواقعي من دون أن يطرأ عليه ما يوجب تبدل حكمه. خلافا لما استظهر من شيخنا الأعظم قدّس سرّه ونسب لبعض الأعاظم قدّس سرّه.
نعم ، لو اضيف إلى التعبد والتدين بالحكم إسناده للمولى قولا والفتوى به كان محرما أيضا بملاك حرمة الكذب على المولى.
وكذا لو اضيف إليه القضاء به ، فإنه يحرم بمقتضى ما دل على حرمة القضاء من غير علم.