جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا صدقه لئلا تصيبوا قوما ... أو نحو ذلك ، وهو خلاف الأصل ، فالأولى جعل الذيل بنفسه مفعولا لقوله : (فَتَبَيَّنُوا) قال : «فيكون معناه : فتثبتوا واحذروا إصابة قوم بجهالة». وحينئذ لا يكون للذيل عموم ينهض برفع اليد عن المفهوم.
وفيه : أنه لا مجال لكون الذيل مفعولا للتبين بعد تقييد الذيل بالجهالة التي هي من الامور الوجدانية غير القابلة للجهل ، والتبين إنما يكون عن الامور الواقعية القابلة للجهل ، فلا يتم ما ذكره إلا بتقدير تعلق الذيل بفعل يناسبه كالحذر ، إما بتقدير فعل الحذر ـ كما ذكره في كلامه ـ أو بتصيده من التبين بجعل التبين متضمنا معناه ، وكلاهما خلاف الأصل ، كالتقدير مع الحمل على التعليل.
بل لعل الثاني أولى ، لاشتهار حذف عامل «أن» خصوصا في مقام التعليل ، كما في قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ)(١) ، وقوله تعالى : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ. أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ)(٢) ، وقوله تعالى : (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ)(٣) ، وغيرها.
ولا سيما مع كون التعليل أبلغ في بيان المطلوب وادعى للارتداع.
ولا أقل من الإجمال الموجب لعدم ظهور الآية الشريفة في المفهوم لو فرض مانعية التعليل منه.
الثاني : ما أشار إليه شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أن المفهوم أخص مطلقا من
__________________
(١) الاعراف : ١٧٢.
(٢) الزمر : ٥٥ و ٥٦.
(٣) الاعراف : ٢٠.