واختلاف التعدية ظاهر في أن المراد بالإيمان به تعالى ليس هو تصديقه كالمؤمنين ، بل التصديق بوجوده كالإيمان بالاخرة ، وإن كان ذلك خلاف ظاهر صحيح حريز الآتي ، لكن الصحيح لا ينافي ما ذكرنا في تصديق المؤمنين ، الذي هو محل الكلام.
وبالجملة : ما ذكرناه في معنى تصديق المؤمنين هو الظاهر المناسب لسياق الآية ، وحكي عن بعض المفسرين.
ويشهد به صحيح حريز المتضمن استبضاع اسماعيل بن الصادق عليه السّلام رجلا من قريش بلغه أنه يشرب الخمر ، فأكل الرجل المال ، فدعا اسماعيل في الطواف بالأجر والخلف ، فقال له الصادق عليه السّلام : «يا بني فلا والله مالك على الله هذا ، ولا لك أن يأجرك ، ولا يخلف عليك ، وقد بلغك أنه يشرب الخمر فائتمنته. فقال اسماعيل : يا أبت إني لم أره يشرب الخمر ، إنما سمعت الناس يقولون ، فقال : يا بني إن الله عزّ وجل يقول في كتابه : (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) يقول : يصدق الله ويصدق للمؤمنين ، فإذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم. ولا تأتمن شارب الخمر ، إن الله عزّ وجل يقول في كتابه (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) فأي سفيه أسفه من شارب الخمر ...» (١) وقريب منه مرسلة العياشي (٢).
وحملهما على التصديق الصوري بعيد عن الظاهر جدا ، ولا سيما مع تطبيق الإمام عليه السّلام شارب الخمر على الرجل المذكور ، بل لا مجال له في رواية عمر بن يزيد ، قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : أرأيت من لم يقرّ بأنكم في ليلة القدر كما ذكرت ولم يجحده؟ قال : «اما إذا قامت عليه الحجة ممن يثق به في علمنا فلم يثق به فهو كافر. وأما من لم يسمع ذلك فهو في عذر حتى يسمع ، ثم قال أبو
__________________
(١) الوسائل ، باب : ٦ من أبواب الوديعة ح ١.
(٢) تفسير العياشي حديث ٨٣ من تفسير سورة براءة : ج ٢ ص ٩٥.