هو الحيّ القيّوم. ولو لا هذه القيّوميّة لكان الإنسان من العدم المحض ، ومن هنا يكون حبّ الإنسان لنفسه حبّا لربّه ، رغم غفلة الإنسان عن ذلك.
وقد يكون حبّ الإنسان للّذة الموجودة في الطعام والشراب ، والنكاح واللباس ، وهذا الحبّ أضعف مراتب الحبّ لسهولة الحصول عليه ، وسرعة زواله ، وهل شيء من هذه اللذائذ إلّا من النعم الإلهيّة التي لا تُعدُّ ولا تحصى؟!
وقد يحبّ الإنسان غيره ، فيحبّ كلّ ذي يد عليه ، كالإحسان والكرم والعلم وغيرها ، وفي الواقع أنَّ الإنسان يحبّ هؤلاء لما أفاضوه عليه من نعم ، فحبّه لهم في الحقيقة هو حبّ لتلك النعم والأفضال لذواتهم ، وعندما نحكّم بصائرنا ، ونتمعّن في الحقائق ، ونتدبّر المقادير ، نرى أنَّ ذلك الحبّ هو لله جلّ وعلا ؛ لأنَّ تلك النعم من الله ، أفاضها سبحانه على من جاد بها وأحسن إلى غيره. ولو شاء الله أن يمنع تلك المواهب ، لما استطاع أحد أن يقدّم نفعاً لنفسه فضلاً عن غيره.
وقد يحبّ الإنسان بعض الوجودات والمعاني لاتّصافها بصفات الكمال رغم أنّه لا ينال منها شياً ، وهذا هو حبّ الشيء لذاته ، فهو يحبّ الحُسن والجمال والمعاني الكماليّة من : علم نافع ، وسيرة ذاتية حسنة ، ومواطنة صادقة ، وبطولة أو تضحية في سبيل المبادئ والقيم.
ونعود لنقول : إنّ هذه الصفات الكماليّة إنّما هي رَشَّةٌ من رَشّات الكمال الإلهيّ ، ونسمة من نسمات العطاء الربّانيّ ، منّ الله بها على بعض عباده المخلصين ، وإنّ الكمال المطلق الذي لا يعتريه نقص أو شائبة هو لله وحده ، وأمّا الكمالات البشريّة ، فهي على اختلاف مراتبها لا تخلو من النقص ، والذي يحبّ الكمال فبالأولويّة يحبّ خالق ذلك الكمال ومفيضه على عباده.
وقد يحبّ الإنسان غيره عندما يجد فيه التجانس والتماثل والائتلاف في