الصفات والتصرفات والأخلاق والمواقف ، ولربّما يكون حبّه لغيره للمؤانسة والاجتماع والألفة والاشتراك في الأوصاف والفنون والصنائع ، ولكن : ماذا يمثّل هذا الحبّ الزائل أمام حبّ أولياء الله والعارفين بالله لربّهم الكريم الذي أوجدهم من العدم إلى الوجود ، وأفاض عليهم من نعمه التي لا تعدُّ ولا تُحصى؟
إنّ هذا الحبّ أقوى أنواع الحبّ وأخلصه ؛ لأصالته وواقعيّته ، ولاستناده إلى العلم الحقيقيّ بفلسفة الخلق والإيجاد ، وغاية خلق الإنسان ، ولقد بلغ هؤلاء السالكون العارفون تلك المراتب السامية والمقامات العالية في مسيرة العرفان ، ونالوا درجات القرب من الله : برياضة النفس ، ومداومة العبادة ، والصبر في ذات الله ، وتطهير النفوس من الأدران والشوائب ، وبالتخلّق بأخلاق الله ، وبذلك حصلت لهم حالة الجذب إلى عالم القداسة الذي هو أصل كلّ خير ، ومنبع كلّ عطاء ، ومصدر كلّ فضيلة وكمال (١).
إنّ حبّ أولياء الله لربّهم ، الذي هو فيض من فيوضاته سبحانه ، لا يوازن بحبّ الله لأ وليائه ، لأنّ المحب يحبّ على قَدْره ، وما قدر عباد الله أمام قدره سبحانه؟!
إنّ الحبّ الذي في قلوب أولياء الله يجعل نفوسهم متعلّقةً بساحة قدسه ، هائمة بعظمته ، تتمنّى لقاءه والوفود عليه ، لأنّ كلّ محبّ يحبّ لقاء محبوبه ، وهذا الشوق أوضح علامة لوجود الحبّ أو عدمه ، قال تعالى مخاطباً أعداء البشريّة التاريخيين اليهود : (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّـهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (٢).
إنّ هؤلاء المحبّين أنا قد أخلصهم الله سبحانه لنفسه ، وهم أخلصوا أنفسهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ يراجع : جامع السعادات ٣ : ١٣٢ ـ ١٤٦.
٢ ـ الجمعة : ٦.