لله وحده ، وهؤلاء يحبّون الله لأنّه أصل وجودهم ، ومصدر كلّ خير يصل إليهم ، والله تعالى يحبّهم لأنّهم آثار وجوده الشريف ، فحبّه لهم هو حبّه لذاته المقدّسة ، فتدبّر.
وربّما يستشكل علينا سائل فيقول : لماذا كان هؤلاء الأولياء يسألون الله أن يمدّ في أعمارهم ، في الوقت الذي هم متشوّقون إلى لقاء الله؟
نقول : إنّ هذا لا ينافي أصل الحبّ ، بل يؤكّد معنى الحبّ وصدقه وعمقه. إنّ هؤلاء إذا طلبوا امتداد العمر ، فإنّما يطلبونه للتهيّؤ والاستعداد والمبالغة في تفريغ القلوب من كلّ شاغل ، وتطهير النفوس من كلّ شائبة ، وللتزوّد بالتقوى فإنّها خير الزاد ليوم المعاد ، فإنّ المحبّ يرغب أن يلتقي بمحبوبه وهو على أتمّ حال وأسمى كمال ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (١).
وقال سبحانه : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ) (٢).
والمواظبة على النوافل لها أثرها الكبير في زرع الحبّ الإلهيّ في القلوب ، وجعلها منزلاً من منازل الرحمان ، ومهبطاً من مهابط الفيوضات ، فقد ورد في الحديث القدسيّ قوله سبحانه : لا يزال العبد يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبَّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها ، إن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته (٣).
وورد في الحديث الشريف أنّ نبيّ الله إبراهيم عليه السلام قال لملك الموت ، إذ جاءه لقبض روحه : هل رأيتَ خليلاً يُميت خليله؟ فأوحى الله تعالى إليه : هل رأيتَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ المائدة : ٥٤.
٢ ـ البقرة : ١٦٥.
٣ ـ جامع السعادات ٣ : ١٤٥.