بلغ بكم ما أرى؟ قالوا : الشروق إلى الجنّة ، فقال عليه السلام : حقّ على الله أن يعطيكم ما ترجون.
ثمّ جاوزهم عليه السلام إلى ثلاثة أخرى فإذا هم أشدّ نحولاً وتغيّراً ، كأنّ على وجوههم المرايا من النور ، فقال عليه السلام : ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ قالوا : حبّ الله عزّ وجلّ ، فقال ثلاثاً : أنتم المقرّبون ، أنتم المقرّبون (١).
وهذه العبادة أرقى مراتب العبادة ، فقد ورد عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قوله : إن العُبّاد ثلاثة : قوم عبدوا الله عزّ وجلّ خوفاً ، فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلبَ الثواب ، فتلك عبادة الأُجراء ، وقوم عبدوا الله عزّ وجلّ حبّاً له ، فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفضل العبادة (٢).
يقول صاحب «الميزان» قدس سره حول عبادة الأحرار ما نصّه : ولذلك يرى أهل ذلك الطريق أنّ الطريقين الآخرين ، أعني طريق العبادة خوفاً ، وطريق العبادة طمعاً ، لا يخلوان من شرك ، فإنّ الذي يعبده تعالى خوفاً من عذابه يتوسّل به تعالى إلى دفع العذاب عن نفسه ، كما أنّ من يعبده طمعاً في ثوابه يتوسّل به تعالى إلى الفوز بالنعمة والكرامة ، ولو أمكنه الوصول إلى ما يبتغيه من غير أن يعبده لم يعبده ، ولا حامَ حوله معرفته.
وقد تقدّمت الرواية عن جعفر الصادق عليه السلام : هل الدين إلّا الحبّ (٣) ، وقوله عليه السلام في حديث : وإنّي أعبده حبّاً له ، وهذا مقام مكنون لا يمسّه إلّا المطهّرون. وإنّما كان أهل الحبّ مطهّرين لتنزّههم عن الأهواء النفسيّة والألواث المادّية ، فلا يتمّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ جامع السعادات ٣ : ١٥١ ـ ١٥٢.
٢ ـ الكافي ٢ : ٨٤ / ح ٥.
٣ ـ المحاسن : ٢٦٣ / ح ٣٢٧.