الإخلاص في العبادة إلّا من طريق الحبّ (١). ولا نترك هذه الفقرة من دون تعليق وتسليط الأضواء على ما ورد فيها ، قال سبحانه : (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (٢) ، وقال الله سبحانه : (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّـهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ) (٣).
تقسِّم هاتان الآيتان الناس إلى ثلاث طوائف :
١ ـ الأكثريّة من الناس ، وهؤلاء ليسوا بمؤمنين بسبب انكبابهم على الدنيا الفانية وغفلتهم عمّا يراد بهم ، وهم من الذين وصفهم الله بقوله : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) (٤).
٢ ـ الأقليّة التي سمّاهم الله المخلصين والمقرّبين ممّن اصطفاهم لنفسه ، واجتباهم لحمل الأمانة السماويّة من أهل التوحيد الخالص والإيمان المحض الذي لا يعتريه نقص ولا شائبة.
٣ ـ الطائفة المؤمنة التي يكون موقعها بين الطائفتين ، وهم المؤمنين الذين يشوب إيمانَهم بعضُ النقص والانحراف ، وقد سمّى القرآن ذلك النقص وتلك الأدران الشركَ الخفيّ ، وهو على لسان الروايات أخفى من دبيب النمل على الصخرة السوداء في الليلة الظلماء ، ولهؤلاء المؤمنين مراتب مختلفة من ناحية الإيمان قوّةً وضعفاً ، فمنهم من هو أقرب إلى الله من غيره. وليس هذا الاجتماع بين الإيمان والشرك من مصاديق اجتماع النقيضين الذي يحكم العقل ببطلانه ، بل هو اختلاف نسبيّ في مسألة القرب والبعد من الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ تفسير الميزان ١١ : ١٥٩ ـ ١٦٠.
٢ ـ يوسف : ١٠٣.
٣ ـ يوسف : ١٠٦.
٤ ـ الفرقان : ٤٤.