فقال معن : إن الله يُعزُّ من يشاء ويذلُّ من يشا ، فقال الأعرابي :
فلستُ مُسلِماً إنْ عشتُ دهراً |
|
على معنٍ بتسليمٍ الأميرِ |
فقال معن : السلام خير ، وليس في تركه ضير ، فقال الأعرابي :
سأرحل عن بلادٍ أنت فيها |
|
ولو جارَ الزمانُ على الفقيرِ |
فقال معن : إن جاورتَنا فمرحباً بالإقامة ، وإن جاوزتنا فمصحوباً بالسلامة ، فقال الأعرابي :
فَجُدْ لي يا ابن ناقصةٍ بمالٍ |
|
فإنّي قد عزمتُ على المسيرِ |
فقال معن : أُعطوه ألف دينار ، تُخفّفْ عنه مشاقَّ الأَسفار. فأخذها وقال :
قليلٌ ما أتيتَ به وإنّي |
|
لَأطمعُ منك بالمالِ الكثيرِ |
فَثَنِّ فقد أتاك المُلكُ عفواً |
|
بلا عقلٍ ولا رأيٍ منيرِ |
فقال معن : أعطوه ألفاً ثانية ، كي يكون عنّا راضياً. فتقدّم الأعرابي إليه وَقَبَّل الأرض بين يديه وقال :
سألتُ اللهَ أن يُبقيك ذُخْراً |
|
فما لك في البريّةِ مِن نظيرِ |
فَمِينك الجودُ والإفضالُ حقّاً |
|
وفيضُ يَدَيك كالبحرِ الغزيرِ |
فقال معن : أعطيناه ألفين على هجونا ، فأعطوه أربعة آلاف على مدحنا ، فقال الأعرابي :
بأبي أيّها الأمير ونفسي ، فأنت نسيجُ وَحْدِك في الحلم ، ونادرة دهرك في الجود. ولقد كنتُ في صفاتك بين مصدّق ومكذّب ، فلمّا بلوتك صَغَّرَ الخُبْرُ الخَبَر ، وأذهب ضعفَ الشكّ قوّةُ اليقين ، وما بعثني على ما فعلت إلّا مائة بعير جُعلت لي على إغضابك.
فقال له الأمير : لا تثريب عليك. ووصله بمائتي بعير ، نصفها للرهان ، والنصف