من هلك إلّا بالتسويف (١) ، والتسويف هو تأجيل التوبة وتأخيرها حتّى لاتَ حينَ مَناص.
إنّ الإنسان في هذه الدنيا واقع بين قوّتين عظيمتين في تأثيرهما على سيرة الإنسان ومصيره ، فهو واقع بين : قوّة العقل الملائكيّة التي تدعوه إلى الطاعة ، وبين قوّة الهوى الشيطانيّة التي تدعوه إلى التمرّد على الله ، واتّباع خطوات الشيطان. وبالمجاهدة الصادقة الواعية يستطيع الإنسان الانقياد لقوى العقل ، ويُخضع الأهواء ، ويسيطر على النزوات ، وبكبت الشهوات المُرْدية ، ليزداد قرباً من ربّه ، وبهذا تَرجح كفّة حسناته على كفّة سيئاته ، ويفوز بالجنّة التي أعدّها الله لعباده المتّقين.
إنّ عمر الإنسان هو رصيده الفعلي الذي يقوده إلى مفترق طريقين : الجنّة أو النار ، فكلّ دقيقة يمكن أن تُستغَلّ في طاعة من الطاعات ، ولو بتسبيحة تكون له رصيداً أخرويّاً يقوده إلى الجنّة ، وقد ورد في بعض العبارات أنّ أبواب عبادة الله بعدد أنفاس الخلائق (٢) ، وهذه من الموائد الالهيّة المبذولة لكلّ طاعم.
ويمكن أن تستغلّ في معصية ، ولو بنظرة خاطئة لتقوده إلى النار.
روي أنّ سليمان عليه السلام طار على بساطه ، ومعه قوّاده وجنده على كراسٍ من ذهب ، وكانت الطير تُظلّلهم ، فرآه فلّاح فتعجّب من ذلك المُلك العظيم فقال : لقد أُوتي ابن داود مُلكاً عظيماً! فنقلت الريح قوله إلى أُذن سليمان عليه السلام ، فنزل سليمان وقال لذلك الفلّاح : إنّما مشيتُ إليك لئلّا تتمنّى ما لا تَقْدر عليه. ثمّ قال له : لَتسبيحةٌ واحدةٌ يَقْبلها الله خيرٌ مِمّا أُوتيَ آل داود.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ جامع السعادات ٣ : ٥٨ ـ ٥٩.
٢ ـ حقائق الإيمان للشهيد الثاني : ١٧٤.