السوداء في الليلة الظلماء (١).
وقد ذكرنا في مبحث سابق أنَّ غاية العبادة إمّا أن تكون طمعاً لما في يده سبحانه من خير دنيويّ وأخرويّ ، وتلك عبادة التجّار أو الأُجراء ، وإمّا أن تكون خوفاً من أليم عقابه وشديد نكاله ونقمته ، فتلك عبادة العبيد ، وإمّا أن تكون حبّاً وشكراً لله ، فتلك عبادة الأحرار ، وذلك لأنّه تعالى أهل للعبادة والخضوع.
يقول صاحب «الميزان» قدس سره في عبادة الأحرار ما نصّه : والله سبحانه هو الأهل للعبادة وحده ، لأنّ أهليّة الشيء لأن يخضع له لنفسه ليس إلّا الكمال ، فالكمال وحده هو الذي يخضع عنده النقص الملازم للخضوع ، وهو إمّا جمال تنجذب إليه النفس انجذاباً ، أو جلال يخرّ عنده اللبّ ويذهل دونه القلب ، وله سبحانه كلّ الجمال ، وما من جمال إلّا وهو آية لجماله ، وله سبحانه كلّ الجلال ، وكلّ ما دونه آيته ، فالله سبحانه لا إله إلّا هو ، ولا معبود سواه ، لأنّه له الأسماء الحسنى (٢).
أمّا عبادته سبحانه خوفاً وطمعاً فلا يخلوان من الشرك الخفيّ ، لأنّ غاية الأوّل الفوز بالجنّة ، وغاية الثاني دفع العذاب ، ولو حصل كلّ منهما «الطامع والخائف» على غايته من دون عبادة لما عبدا الله.
ونتوجّه بالسؤال إلى السيّد الطباطبائيّ عن كيفيّة تلبّس الإنسان بالإيمان والشرك معاً ، مع كونهما من المعاني المتقابلة التي لا تجتمع في محلّ واحد؟
يجيب سماحته قدس سره : إنّما يكون من جهة كونها من المعاني التي تقبل نفسها في القوّة والضعف ، فتختلف بالنسبة والإضافة كالقرب والبعد ، فإنّ القرب والبعد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ تفسير القمّيّ ١ : ٢١٣.
٢ ـ تفسير الميزان ١٤ : ١٢٤.