المطلقين لا يجتمعان ، إلّا أنّهما إذا كانا نسبيّين لا يمتنعان من الاجتماع والتصادق ، كمكّة فإنّها قريبة بالنسبة إلى المدينة ، بعيدة بالنسبة إلى الشام ، وكذا هي بعيدة من الشام إذا قيست إلى المدينة ، قريبة منه إذا قيست إلى بغداد.
والإيمان بالله والشرك به وحقيقتهما وتعلّق القلب بالله بالخضوع للحقيقة الواجبة ، وتعلّق القلب بغيره تعالى ممّا لا يملك شيئاً إلّا بإذنه ، يختلفان بحسب النسبة والإضافة ، فإنّ من الجائز أن يتعلّق الإنسان مثلاً بالحياة الدنيا الفانية وزينتها الباطلة وينسى مع ذلك كلّ حقّ وحقيقة ، ومن الجائز أن ينقطع عن كلّ ما يصدّ النفس ويشغلها عن الله سبحانه ، ويتوجّه بكلّه إليه ويذكّره ولا يغفل عنه ، فلا يركن في ذاته وصفاته إلّا إليه ، ولا يريد إلّا ما يريده ، كالمخلص من أوليائه تعالى.
وبين المنزلتين مراتب مختلفة بالقرب من أحد الجانبين والبعد منه ، وهي التي يجتمع فيها الطرفان بنحو من الاجتماع ، ومن الدليل على ذلك الأخلاق والصفات المتمكّنة في النفوس التي تخالف مقتضى ما تعتقده من حقّ أو باطل ، والأعمال الصادرة منها ، كذلك ترى من يدّعي الإيمان بالله يخاف وترتعد فرائصه من أيّ نائبةٍ أو مصيبة تهدّده ، وهو يذكر أن لا قوّة إلّا بالله ، ويلتمس العزّة والجاه من غيره وهو يتلو قول الله تعالى : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّـهِ جَمِيعًا) (١) ، ويقرع كلّ باب يبتغي الرزق وقد ضمنه الله ، ويعصي الله ولا يستحيي ، وهو يرى أنّ ربّه عليم بما في نفسه ، وسميع لما يقول ، بصير بما يعمل ، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، وعلى هذا القياس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ يونس : ٦٥.