الدنيا أن لو خُلّدوا فيها أن يَعصُوا الله أبداً ، وإنّما خُلّد أهل الجنّة في الجنّة ، لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو بَقَوا فيها أن يطيعوا الله أبداً ، فبالنيّات خُلّد هؤلاء وهؤلاء. ثمّ تلا قوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ) ، قال عليه السلام : على نيّته (١).
لقد لاحظنا أثر النيّة على العمل ، وكيفيّة ترتّب الأثر من ثواب أو عقاب ، ونِعم ما قيل في وصفها : إنّها روح العمل ، فقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله قوله : مَن تزوّج امرأة على صِداقٍ وهو لا ينوي أداءه فهو زانٍ ، ومن استدان دَيناً وهو لا ينوي قضاءه فهو سارق ، ومن تطيّب لله تعالى جاء يوم القيامة وريحه أطيب من المسك ، ومن تطيّب لغير الله جاء يوم القيامة وريحه أنتن من الجيفة (٢).
وقال النبيّ صلى الله عليه وآله : إذا التقى الصفّان نزلت الملائكة تكتب الخلق على مراتبهم : فلان يقاتل للدنيا ، فلان يقاتل حميّةً ، فلان يقاتل عصبيّةً ، ألا فلا تقولوا : قُتل فلان في سبيل الله ، إلّا لمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا (٣).
وورد في الآثار المرويّة أنّ رجلاً من الصحابة يُدعى «قزمان» كان مشهوراً بالجبن والخوف من رؤية الدم ، وفي إحدى غزوات النبيّ صلى الله عليه وآله خرج مع الجيش وأبلى بلاءً حسناً ، فكان يضرب بالسيف ويطعن بالرمح ، وكان يتناول الفارس من جواده فيضرب به الأرض ، وقاوم المشركين أيّما مقاومة ممّا أذهل الجيش الإسلاميّ ، وبعد جولات رجولية وبطوليّة سقط «قزمان» مضمّخاً بدمائه.
فقال صحابيّ لرسول الله صلى الله عليه وآله : هنيئاً لقزمان الجنّة ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله : إنّه من أهل النار! فتعجّب الصحابيّ من قول النبيّ صلى الله عليه وآله ، وتوجّه إليه بعض المسلمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ الكافي ٢ : ٨٥ / ح ٥ ، والآية في سورة الإسراء : ٨٤.
٢ ـ جامع السعادات ٣ : ١١٣.
٣ ـ نفسه ٣ : ١١٣.