فقالوا له : أبشرْ يا قزمان ، فقد أبليتَ اليوم ، فقال : بِمَ تبشّرون؟! فواللهِ ما قاتلتُ إلّا عن أحساب قومي ، ولولا ذلك ما قاتلت. فلمّا اشتدّت عليه الجراحة جاء إلى كنانته فأخذ منها مشقصاً «أي نصلاً أو سهماً» فقتل به نفسه (١).
ولعلّ المراد من أن نيّة المؤمن خير من عمله ، لأنّ النيّة من أعمال القلوب التي يترتّب عليها : الإشراق الروحيّ ، والشفاء من الأمراض النفسيّة ، وتطهير القلوب من الأدناس والرذائل والمذموم من الخصال. أمّا الأعمال فهي وظيفة الجوارح ، والجوارح آلات منفِّضة لأوامر العقل ودواعي النيّة.
ونشير هنا إلى قضيّة مهمّة ، وهي أنّ هنالك ارتباطاً بين أعمال القلب وأعمال الجوارح ، فإذا كان هنالك تفكّر وتدبّر ووعي ، وكان مع ذلك توجّه وشوق ، فإنّ هذا يقود إلى ممارسة الأعمال العباديّة ونحوها ، فترى الإنسان يأتي بالطاعات وما يقرّب إلى الله من عمل ، وينزجر عن محارم الله ، وهذه الممارسات المندوب إليها شرعاً وعقلاً تُولِّد رسوخ الملكات وتطوّر القابليّات الإيمانيّة.
ولمّا كانت الغالبية العظمى منا قد ابتُليت بالغفلة ، وهذه حالة ـ إذا طالت ـ قد تقود صاحبها من الهدى إلى الردى ، فقد وضع لنا الإسلام عبر منهجه الحكيم أساليب مهمّة لعلاج الغفلة.
لقد حثّ الإسلام على طلب العلم لأنّه السبيل إلى الله ، وبدونه لا يحصل الإيمان الحقيقيّ الأصيل ولا العمل الصالح الخالص لوجهه تعالى. وكنّا رأينا كيف حصر الله سبحانه الخشية التي هي روح العمل بالعلماء الربّانيّين دون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ بحار الأنوار ٢٠ : ٩٨.