واحتمل بعضهم أن يكون الضمير في (يَعْرِفُونَهُ) عائدا إلى الكتاب ، ولكنه غير ظاهر لأنه لا مناسبة له في السياق العام في موضوع الجدال الذي يدور حول النبي والنبوّة أمام مفردات التشكيك التي توجّه إليه ، كما أن تشبيه هذه المعرفة بمعرفة الأبناء قد يوحي بذلك ، فإنه يقال في الإنسان إن فلانا يعرفه كما يعرف ولده ولا يقال ذلك في الكتاب.
(وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَ) الذي قامت الحجة عليهم به بمعرفته اليقينية (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) لأنهم لا يملكون أساسا لأية شبهة في ذلك.
(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) الذي أنزله إليك وبيّنه لك في وضوح الوحي وإشراقته ، (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) الشاكّين في أيّ شأن من شؤونه.
والظاهر أن الخطاب ـ كما ذكرنا ـ موجه لرسول الله الذي جاء بالصدق وصدّق به ، وهو جار على أسلوب خطاب الأمّة من خلال خطاب الرسول ، مما يوحي بأن على الأمّة أن لا تقع تحت تأثير عناصر الشك التي يحاول الكافرون من أعداء الإسلام إثارتها في وجدانهم الفكري.
(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) أي أن لكل قوم وجهة يتجهون إليها من خلال القاعدة الفكرية الإيمانية التي يرتكزون عليها في ما يأخذون به أو يتركونه ، أو ينطلقون به من مواقع ومواقف وعلاقات بالحياة وبالإنسان ، سواء في ذلك الأنبياء الذين ينطلق كل واحد منهم بملّته ووجهته التي تختلف في خصوصياتها فتتعدد جهاتها ، ولكنها تلتقي في الإسلام الذي يجمع الرسالات كلها عند الانقياد لله في كل شيء ، وهذا هو ما ينبغي للمسلمين أن يتحركوا فيه في انفتاحهم على الكعبة التي أراد الله لهم أن يتوجهوا إليها ، بعيدا عن كل عناصر الشك التي يثيرها اليهود والمنافقون في عملية تحويل القبلة التي شرّعها الأنبياء من قبلهم ، لأنه من الممكن أن يختلف اتجاه القبلة بين رسالة وأخرى ، وبين