أقول : ولئن تشهى المتكلف فيما أرسل روايته فإن الرواية في هذا الشأن مضطربة ذات وجوه ، فعن أبي عبيدة قال : نزل جبرائيل على النبي «ص» يوم بدر فقال : ان ربك يخبرك إن شئت أن تقتل هؤلاء الاسارى ، وإن شئت أن تفادي بهم ويقتل من أصحابك مثلهم فاستشار أصحابه فقالوا : نفاديهم فنتقوى بهم ويكرم الله بالشهادة من يشاء.
وفي رواية ان رسول الله كان كارها لاستيحاء المشركين وآخذا الفداء حتى رأى سعد بن معاذ كراهية ذلك في وجهه الشريف فرجح له قتلهم. وكذا عمر بن الخطاب فاستحسن قولهما.
وفي رواية اخرى لما أمر رسول الله بقتل عقبة والنفر من الاسارى خافت الأنصار أن يأمر بقتلهم جميعا فقاموا إليه واستوهبوهم منه ليأخذوا منهم الفداء ، وعلى كل حال فليس في صريح الآية ولا ظاهر سوقها إنكار على رسول الله ولا توبيخ على فعله ولا تخطئة لعمله ، وإنما لفظها وسوقها يعطى أن التوبيخ كان للأمة حيث اختاروا عرض الحياة الدنيا من فداء الاسارى ولم يشددوا الوطأة على أعداء الله فهي كقوله تعالى في سورة النساء ٩٦ : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا).
فإن قلت : فما ذكر النبي هاهنا قلت للأعلام بأن استحياء الاسارى والفداء إنما هو للنبي ووظيفته الخاصة به يجري فيها بحسب ما يراه من الأصلح والأولى والأنسب بالعزة ، وليس لأحد أن يتعدى طوره بالتعرض في ذلك فكانت هذه بيانا لمن له الوظيفة وزجرا لمن يتداخل فيها فضولا أو رغبة في المال ، هذا على مقتضى الرواية بأن الآية نزلت في الإبقاء على الاسارى بعد أسرهم. وأما إذا أعرضنا عن الرواية لكونها من الآحاد المضطربة لفظا ومضمونا فلا تفيد علما ولا ظنا بسبب النزول ، فلنا أن نقول ان ظاهر الآية يقتضي كونها توبيخا على نفس الاسر في أول الأمر وترك قتل المأسورين في أول الظفر بهم وهذا أمر لا ربط له برسول الله لأنه وقع في أمكنة متباعدة وأوقات مختلفة عند ما تشتت المشركون بالهزيمة.
وأما ذكر النبي فلبيان حكم الحرب الشرعية التي يقوم بها النبي لتأييد