دعوته وإظهار شريعة الحق والتوبيخ للمجاهدين بأن هذه الحرب لا ينبغي للمجاهد أن يميل فيها الى عرض الحياة الدنيا ، وليست مثل سائر حروبكم المقصود منها الغلبة الوقتية ومطامع النهب وفداء الاسارى.
واما اضافة الأسرى الى النبي فلبيان علو شأنه وانه أولى بأمرهم لأن سلطة الأسر والغلبة إنما كانت ببركات رئاسته ودعوته ونجدته وشدته في ذات الله واستجابة دعائه.
فإن قلت : إذا كانت المصلحة في عدم الأسر ، بل الأولى اعدام الاسارى وقتلهم ، فلما ذا لم يأمر رسول الله بقتلهم؟ ولما ذا رضي للمسلمين باستحيائهم وأخذ الفداء.
قلت : ان المصلحة وإن كانت كذلك أولا وبالذات إذلالا للشرك وتثبيتا لنيات المجاهدين على الشدة في ذات الله وإعلاء كلمة التوحيد ، ولكن لما علقت آمالهم بفداء الاسارى وكان قتلهم جميعا بعد سكون الحرب يعده المشركون من الغلظة والقسوة وسوء الولاية فتستحكم بذلك عقدة الاضغان ويشتد بذلك تكالب المشركين على الإسلام والمسلمين ، صارت المصلحة بتسويغ أخذ الفداء تقوية للمجاهدين وتثبيتا لعزائمهم على الاقدام في الحرب وتسكينا لغوائل الأضغان والاحقاد وصونا لكرم أخلاق رسول الله عن شطط قول المشركين والمنافقين ، ولعل هذا هو المراد من قوله تعالى في هذا المقام : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً).
وأما الآية الثانية التي استشهد بها المتكلف لدعواه فهو قوله تعالى في سورة براءة ٤٣ : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ).
فاعلم ان ما بعدها من الآيات من الرابعة والأربعين إلى الثامنة والأربعين لينادي بأن صورة العتاب فيها على الاذن لم تكن الملامة لرسول الله «ص» حتى على ترك الأولى ، وإنما حقيقتها ومرماها هو التوبيخ لهؤلاء القاعدين المستأذنين بنحو من لحن الخطاب الموجه لرسول الله بيانا لضلالهم وموافقة اذنه صلوات الله