الشك في واقعة قلب الماء خمرا إلا بأن يخبر جماعة يبلغ عددهم حد التواتر المفيد للعلم ويبينوا انهم شاهدوا الماء في الاجران ، وانه انقلب في الحال خمرا مسكرا من دون مداخلة عمل أو تصرف.
ولا يرتفع الشك أيضا في واقعتي إحياء الميتين المذكورين إلا باخبار جماعة يبلغ عددهم حد التواتر المفيد للعلم وهم من العارفين المميزين بين الموت وغيره كالأطباء ونحوهم ويشهدون بأنهم شاهدوا موت الميتين يقينا ولم يكن يحتمل التصنع والاغماء ونحوه ، أو يخبروا في واقعة لعازر بأنهم شاهدوه منتفخا منتنا بانتفاخ الأموات ونتنهم ثم أحياه المسيح بعد ذلك.
فإن قلت : إذا كان بعض الذين تشملهم دعوة الرسول لم يشاهد المعجز والحجة على الرسالة ولم يحصل له العلم به من النقل وان جد واجتهد بالفحص أو علم بمبدئه لكنه ليس من أهل التمييز بين كونه من قسم المعجز أو من قسم السحر أو من قسم المهارة في الصناعة كما يشتبه على البربري الوحشي إذ رأى الفونغراف انه هل هو من المعجز أو من السحر أو من ممكنات الصناعة؟ فهل من كان على أحد هذه الأحوال مكلف بالإيمان بذلك الرسول ومعاقب على عدمه ، أو هو غير مكلف ولا معاقب.
قلت : أولا اما مثال البربري الوحشي فيمكن له تحصيل العلم والتمييز بالرجوع إلى أهل الخبرة والتمييز الذين يركن إليهم في اموره ويطمئن بهم في معلوماته على وجه يعلم ويميز كون الشيء المشار إليه معجزا أو سحرا أو من ممكنات الصناعات البديعة.
وثانيا : ان في هذا المقام مخادعات للشيطان ، ومغالطات للهوى ومخالسات للعصبية ، ومعثرات للتقليد قد ضل بسببها كثير من الناس ، فمن فرض انه لم يقصر بجده في طلب الحق ، ولم يصده عند انقياده الى الشيطان أو الهوى أو العصبية أو التقليد ، وإنما حجبه عن الوصول الى الحق قصوره وان صدق في الجد مبلغ جهده في طلبه فهذا الانسان غير معاقب والله من ورائه محيط وهو بكل شيء عليم لا يكلف نفسا إلا وسعها.
ولا يسمح العقل والنقل أيضا بأن نقترح على المعجز كونه من نحو خاص