الروايات مردودة أيضا بوجهين «الأول» : هو ان ما زعمت كونه من القرآن لا نجد له نسبة مع القرآن إلا كنسبة الفحمة البالية مع ترصيع تاج الملك.
«الثاني» هو ان نقلها لضياع كثير من القرآن من الامة ليكذبه قول الله جل اسمه في سورة الحجر ٦ ـ ١٠ : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) فيجب تكذيبها بحكم القرآن الكريم.
وليس في روايات الاتقان ما هو صريح بنسخ التلاوة إلا ما أخرجه «الطبراني» عن «ابن عمر» ، وأين هذه الرواية من القبول في الجامعة الاسلامية ولا سيما في شأن القرآن الكريم.
فإن قلت : أليس يشهد لما تنكره قوله تعالى في سورة البقرة ١٠٠ : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) فإن صراحة هذه الآية تدل على ان الحفظ الموعود به في الآية المتقدمة إنما هو بالنسبة الى غير الانساء قلت : الآية تضمنت الانساء قبل انقطاع الوحي ، وتكفلت بالاتيان بخير من المنسوخ والمنسي او مثله فهي تدل على ان الله لا ينسخ ولا ينسى عند انقطاع الوحي ، بل إنما ينسخ او ينسى آية حيث يوحي بعدها خيرا منها أو مثلها فهذه الآية كآية الحفظ مكذبة لزعم الزاعمين ان ما تضمنته هذه الروايات من القسم الذي أنساه الله بعد انقطاع الوحي ونسخ بذلك تلاوته ، وعلى هذه الرواية أين يكون الاتيان بخير منها أو مثلها؟ وأين يكون حفظ الذكر مع أن هذه الروايات وأمثالها قد أفرطت في الإكثار حتى جعلت مقدار الذاهب من القرآن أكثر من الموجود ، فتتبع كتب المحدثين الذين لا همّ لهم في تحقيق الحقائق ، وإنما همهم حفظ أساطير الأثر والتاريخ ، فيكتبون كل ما يسمعون أو يجدون ، ويوكلون أمر التحقيق إلى أهله ، ويحملون الفقه إلى من هو أفقه منهم.
وان آية الحفظ للذكر لتدل على ان الانسان لا يقع بالنسبة إلى القرآن الكريم الموعود بحفظه ، فتدل على ان المقصود بالنسخ والانساء في آيتهما هو ما اوحى من الآيات في الشرائع السابقة ، فنسخ بعضها وعفت بعضها عواصف الأيام حتى جعلته نسيا منسيا ، كما يشهد لذلك سوق الآية مع التي قبلها وهو قوله تعالى : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ