مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ، ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) فإن قلت : المراد بالآية هنا هو ما كان من القرآن ، قلت : من أين لك أن تخالف سياق القرآن وتتحكم عليه بغير علم؟ أفتقول : ان ما في الكتب الإلهية السابقة لا يسمى في القرآن آية؟ مع ان الله جل اسمه قد سمى في القرآن ما جاء في الكتب الإلهية السابقة بالآية والآيات ومدح من يتلوها فقال تعالى بعد ذم أهل الكتاب في سورة آل عمران ١٠٩ : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ).
وقال تعالى في سورة مريم بعد ذكر النبيين السابقين ٥٩ : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا ٦٠ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ ...) ، وقال تعالى في سورة الزمر ٧١ : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ ...) ، فاتضح لك ان القول بمنسوخ التلاوة اخذا من الروايات المشار إليها مما لا حظ له بشيء من التحقيق والصواب لوجوه عديدة ..
وأما قوله تعالى في خطاب رسوله في سورة الأعلى ٦ : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ٧ إِلَّا ما شاءَ اللهُ ...) ، فلا يمكن حمله على حقيقة الاستثناء ووقوع مشيئة الله لنسيان القرآن إلى حد الخروج عن الانتفاع به ، وذلك لأنه مناف لوعد الله في الآية المتقدمة بحفظ الذكر ، ومستلزم لبطلان الوعد والامتنان بقوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ..) بل انه ليكون مثل قولك سأعطيك ولا آخذ منك إلا ما أشاء أن آخذه منك ، بل ومناف لما اتفق عليه المليون من عصمة الرسول في التبليغ ، ولازمه أن لا يذهب منه بالنسيان بعض ما يوحى إليه ، فيكون نظر الاستثناء إلى عروض النسيان زمانا يسيرا لا ينافي الوعد بحفظ الذكر ، ولا يضاد الامتنان بعدم النسيان ولا ينافي العصمة في التبليغ ، هذا إن جوزنا على الرسول هذا المقدار من النسيان كما ذهب إليه بعض المحدثين.
وأما إذا منعناه أيضا كما هو مذهب المحققين فتكون فائدة الاستثناء هو تسديد الأذهان بدوام اشعارها وتمرينها على الاذعان بعموم قدرة الله وتسلط مشيئته ، مع إيضاح وجه الامتنان في الوعد بعدم النسيان ، وذلك ببيان ان عدم