الذي سببته الحروب الصليبية ، أما الشرق الاسلامي فقد اصيب بداء الانقسام والتجزئة في سبيل الوصول الى العروش ودست الحكم وحب الامارة ، فخمدت في المجموعة الاسلامية جذوة الايمان الصحيح وحرارة العقيدة ، وخيم الجهل على ربوع الشرق ، وتعدد السلاطين والأمراء واستعذبوا الرقاد على أنغام وعاظهم المنافقين ، وقل الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، فغط الرعاة والرعية في سبات عميق ازاء يقظة اوروبا وعجيج مخترعاتها المذهلة في البر والبحر وأرجاء الجو ، ولقاء نشاط جماعات الاستشراق والارساليات التبشيرية الاستعمارية ، وكان جل مهمتها زعزعة عقائد الشباب العربي الاسلامي ، وزرع الشكوك في عقيدتهم وتعاليم دينهم وفي معجزة الاسلام الخالدة القرآن الكريم.
وبتلك الأساليب السليمة تارة ، وتارة بالقوة والتهديد تمكنت الدول المسيحية الاستعمارية اجتياح الشرق الاسلامي ، وعادت الحرب الصليبية جذعة كما أفصحت قولة اللورد «اللنبي» حين دخل الشام ، فوقف على قبر صلاح الدين الأيوبي فقال مخاطبا له : «الآن انتهت الحرب الصليبية يا صلاح الدين» إلا أن الحرب الصليبية لم تقتصر هذه المرة على الميادين العسكرية وإنما استهدفت غزو العقول والأفكار والأرواح ، وهذا أخطر وسائل الفناء للأمم ومحوها من عالم الوجود وفي سبيل هذه الغايات الاستعمارية الفكرية قام دهاقين السياسة الغربية وأجمعوا أمرهم على عقد المعاهدات السرية ، والأحلاف المقدسة لتقسيم الأقاليم الاسلامية وتجزئة البلاد العربية ، وإلى جانب ذلك قاموا بتنظيم قوافل المبشرين لتمهد للحرب الصليبية الحديثة إفساد العقول والقلوب ، وتشويه عقيدة الاسلام أو سلبها من صدور الشباب والشواب كما قال أحد المستشرقين الفرنسيين في إحدى مؤتمراتهم : «إننا إن أخفقنا في تنصير شباب المسلمين في المغرب فحسبنا زرع بذور الشكوك في عقيدتهم ، وإفساد قلوبهم نحو القرآن» ، وهكذا فعلت المدارس الأجنبية التبشيرية في ديار الشرق الاسلامي ، ونكتفي بهذه الاشارة لأن الخوض في هذا الموضوع خارج عن غرض هذه المقدمة ، وغاية قصدنا من هذا المدخل الوجيز هي الاشارة العابرة إلى العوامل والدوافع والحوافز التي حفزت كبار المصلحين المسلمين في فجر يقظة الشرق والنهضة