فهل يحتمل أن يكون مقصود الشيطان هو أنّه عبد أتباعه؟ في حين أنّ العبادة ـ لو صحت وافترضت ـ فإنّما تكون من جانب أتباعه له لا من جانبه اتجاه أتباعه.
في هذه الآيات ونظائرها ـ والتي لم نذكرها روماً للاختصار ـ استعملت لفظة الدعاء والدعوة في غير معنى العبادة ، ولهذا لا يمكن أن نعتبرهما مترادفتين ، ولذلك فلو دعا إنسان ولياً أو نبياً أو رجلاً صالحاً ، فإنّ عمله ذلك لا يكون عبادة له ، وذلك لأنّ الدعاء أعمّ من العبادة. (١)
ثانياً : إنّ المقصود من الدعاء في مجموع الآيات المذكورة هو ليس مطلق النداء ، بل نداء خاص يمكن أن يكون ـ مآلاً ـ مرادفاً للفظ العبادة ، لأنّ مجموع هذه الآيات وردت حول الوثنيين الذين كانوا يتصوّرون بأنّ أصنامهم آلهة صغار قد فوّض إليها بعض مقام الشأن الإلهي ، ويعتقدون في شأنها بنوع من الاستقلال في الفعل ، ومعلوم أنّ الخضوع والتذلّل أو أي نوع من القول والعمل أمام شيء باعتقاد أنّه إله كبير أو إله صغير لكونه ربّاً أو مالكاً لبعض الشئون الإلهية كالشفاعة والمغفرة ، يكون عبادة ولا شكّ أنّ خضوع الوثنيين ودعاءهم واستغاثتهم أمام أوثانهم كانت تنبع من اعتقادهم أنّ هذه الأصنام آلهة أو أرباب أو مالكة لحق الشفاعة و ... ، وباعتقاد أنّها مستقلة في التصرف في أُمور الدنيا والآخرة ، ومن البديهي أنّ أي دعوة لهذه الموجودات وغيرها مع هذه الشروط
__________________
(١). النسبة بين الدعاء والعبادة عموم وخصوص من وجه : ففي هذه الموارد يصدق الدعاء ولا تصدق العبادة ، وأمّا في العبادة الفعلية المجردة عن الذكر كالركوع والسجود فتصدق العبادة ، لأنّها تقترن مع الاعتقاد بألوهية المسجود له ولا يصدق الدعاء لخلوّه عن الذكر اللفظي. ويصدق كلا المفهومين «الدعاء والعبادة» في أذكار الصلاة ، لأنّها دعوة بالقول ناشئة عن الاعتقاد بألوهية المدعو.