عبادة لا محال.
وأوضح شاهد على أنّ دعوتهم كانت مقرونة باعتقاد ألوهية تلك الأصنام الآية التالية:
(... فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ...). (١)
وعلى هذا الأساس فإنّ الآيات المذكورة لا ترتبط بموضوع بحثنا مطلقاً ، إذ الموضوع في بحثنا هو الدعوة مجرّدة عن الاعتقاد بالألوهيّة والمالكية والاستقلالية في التصرف في أُمور الدنيا والآخرة ، بل تكون الدعوة نابعة من كون المدعو عبداً من عباد الله المكرمين ، وأنّه ذو مقام معنوي استحقّ به منزلة النبوّة أو الإمامة ، ولأنّه وعد المتوسلين به باستجابة دعائهم وإنجاح طلباتهم فيما إذا قصدوا الله عن طريقه ، قال تعالى في حقّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم :
(... وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً). (٢)
ثالثاً : إنّ في نفس الآيات المذكورة إشارة واضحة إلى أنّ المقصود ليس مطلق الدعاء وطلب الحاجة ، بل المقصود قسم خاص منه ، وهو ما كان ملازماً للعبادة ، ومن هذه الجهة نجد أنّ في بعض الآيات وبعد الإتيان بلفظ الدعوة يستعمل مصطلح العبادة في نفس المعنى المقصود ، مثل قوله تعالى :
(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ). (٣)
__________________
(١). هود : ١٠١.
(٢). النساء : ٦٤.
(٣). غافر : ٦٠.