فإذا صحّت هذه النظرية ـ طلب الأُمور الخارقة للعادة يُعدُّ شركاً ـ فلا بدّ من الإذعان بأنّ طلب المعجزة وفي جميع العصور من مدّعي النبوة يُعدُّ شركاً ، وذلك لأنّ الناس في الواقع يطلبون المعجزة والأُمور الخارقة للعادة من مدّعي النبوة لا من الله سبحانه ، قال تعالى :
(... إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). (١)
والحال أنّ جميع شعوب العالم ـ ولتمييز النبيّ الصادق من الكاذب ـ يلجون هذا الطريق ، كما أنّ الأنبياء أنفسهم يدعون الناس للقدوم إليهم ومشاهدة معجزاتهم.
إضافة إلى ذلك أنّ القرآن الكريم قد نقل لنا حوارات تلك الشعوب مع مدّعي النبوّة وطلبهم الإتيان بالمعجزة ، ومن دون أن يستنكر القرآن ذلك الطلب ، وهذا يحكي كون هذا الطلب أمراً مقبولاً.
فلو فرضنا أنّ أُمّة من الأُمم الباحثة عن الحقيقة تأتي إلى المسيح عليهالسلام وتقول له : إن كنت صادقاً فيما تدّعي من النبوة والارتباط بالسماء ، فاشف لنا هذا المريض أو ردّ بصر هذا الأعمى إليه. فممّا لا شكّ ولا ريب فيه أنّ عملهم هذا لا يُعدُّ شركاً ، بل هو عمل عقلائي صادر من أُناس يبحثون عن الحقيقة ، ولذلك يستحقون المدح والثناء ، فلو صدر هذا الطلب من النصارى بعد رحيل المسيح ـ حسب معتقدهم ـ وطلبوا من روحه الطاهرة والمقدّسة شفاء المرضى ، فلما ذا يا ترى يُعدُّ عملهم هذا شركاً؟!
__________________
(١). الأعراف : ١٠٦.