سيّئة ، فما ذلك إلّا لكون القرآن يتكلّم بلغة المخاطبين ـ وذلك لأنّه ما دام لم توجد مقايسة ونسبة بين تلك الظاهرة وبين الإنسان فلا يصحّ وصفها بالسوء ، بل تكون وجوداً حسناً وجميلاً ، ولذلك نسبت الآية الأُولى الجميع إلى الله سبحانه.
نعم تتّصف بالسوء إذا كان هناك نسبة بينها وبين حياة الإنسان فقدرة العدو مثلاً سيّئة ومضرة بالقياس إلى الطرف الآخر ، والمطر مضر وشرّ بالقياس إلى تخريب المنازل ، ففي مثل هذه الحالة فقط يمكن أن توصف هذه الظواهر بالشرّ والسوء وفي هذه الصورة بالذات يقول الناس : «لقد نزل البلاء».
في مثل تلك الصورة تنسب السيّئة إلى الإنسان نفسه ويقال :
(وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) لما ذا؟ لأنّ في مثل تلك الظروف لا يمكن تجاهل تأثير أعمال الإنسان السيّئة وماضيه وتاريخه المظلم وتقاعسه في أداء واجباته ، وذلك لأنّ جميع مظاهر الانهزام والانكسار والبلايا معلولات لتقصير وتقاعس الإنسان ، سواء على المستوى الفردي أو المستوى الجماعي.
فإنّ الشاب المدمن على الخمر ـ مثلاً ـ يجب بالبداهة أن ينتظر سلسلة من البلايا والمصائب والمحن ، والأُمّة التي لا تبني السدود في وجه السيول يجب حتماً أن تنتظر الدمار والخراب ، والبيوت التي لا تبنى على أساس مقاومة الزلازل يجب حتماً أن تنتظر الخراب والدمار على أثر الزلازل ، إنّ مثل هذه المجتمعات التي تقصر في هذه الأُمور لا بدّ أن تكون في معرض المصائب والمحن والمآسي ، ولهذا قال الله تعالى في الآية الثانية : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ...).