حيّز الفعلية هي عملية الاختبار والامتحان.
فالكلّ منّا يعلم أنّ الفلزات إنّما تظهر استعداداتها ولياقاتها وقدرتها على الدوام والاستمرار حينما توضع في أفران الاختبار وتسلط عليها نيران الامتحان.
إنّ إحدى وسائل الامتحان والاختبار الإلهي هي تلك المصاعب التي تواجه الإنسان والتقتير في الرزق وفي مستلزمات الحياة الضرورية ، ولذلك نرى الإنسان يتساءل منذ اللحظات الأُولى لوعيه للحياة ولبدء عمله وحركته على وجه البسيطة ما الهدف من كلّ هذه المصاعب وهذا التقتير في الرزق ، وبتعبير القرآن الكريم لما ذا هذه (الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ)؟
ولكن بمجرد أن يمعن الإنسان التفكير وينظر بدقة إلى المثال الذي سقناه سابقاً (المعادن في كير الحداد) يدرك جيداً أنّ تلك المصاعب التي يتعرض لها وتواجهه في الحياة هي التي تبني شخصيته وتفجّر طاقاته الكامنة وتحدّد له استقامته وثباته في مسيره ، كمثل الشجرة التي تنمو في قلب الصحراء وفوق الرمال القاحلة وأمام الرياح الملتهبة فإنّه وبلا أدنى شكّ أنّ مثل هذه الشجرة ستقاوم كلّ تقلّبات الأحوال وتصمد أمام تقلّبات الظروف مهما اشتدت وصعبت أي أنّها تمتلك حينئذٍ صفة خاصة هي صفة المقاومة والثبات ، وهذا بخلاف الشجرة التي تنمو في ظلّ ظروف ناعمة وفي جوّ طبيعي وأرض نديّة وتربة طيّبة فإنّها وبلا شكّ لا تمتلك القدرة على مواجهة تقلّبات الحياة من الجفاف أو الحرارة أو العواصف ، أو ما شاكل ذلك ، يقول أمير المؤمنين عليهالسلام : «ألا وإنّ الشجرة البرية (١) أصلب عوداً ، والرواتع الخضرة (٢) أرق جلوداً ،
__________________
(١). التي تنبت في البرّ الذي لا ماء فيه.
(٢). الأشجار والأعشاب الغضة الناعمة التي تنبت في الأرض الندية.