تكون إرادته مستقلة عن الإرادة الإلهية ، وهذا الاعتقاد هو ما يصطلح عليه في علم الكلام بالتوحيد الأفعالي ، وقد بحث ذلك بصورة مفصلة وشاملة عند التعرض لبحث مراتب التوحيد.
فإذا سلّمنا بهذا الأصل يكون الاعتقاد بالولاية التكوينية لأولياء الله ليس منزّهاً عن الشرك فقط ، بل هو عين التوحيد ، وذلك لأنّنا حينما نعتقد بأيّ حركة تصدر من الإنسان ، سواء كانت من الأُمور العادية كالمشي والكلام ، أو كانت من الأُمور الغير العادية كمعجزات الأنبياء وكرامات الأولياء أنّها صدرت منه على نحو الاستقلال وبدون الاتّكاء على القدرة والحول الإلهي ، فلا ريب أنّ مثل هذا التصوّر يكون شركاً.
ولكن إذا اعتقدنا بأنّ العبد مهما كان مقامه ومرتبته لا يمكن أن يستقل في فعله وعمله عن القدرة والإرادة الإلهية ، فلا ريب أنّنا حينئذٍ لم نتجاوز جادة التوحيد ولم ننحرف عن الصراط المستقيم.
فليس ملاك التوحيد والشرك بأن تنسب الأفعال العادية والأُمور الطبيعية إلى العباد ونعتقد انّهم يقومون بها بصورة مستقلة ، وأمّا الأُمور العظيمة والكبيرة الخارجة عن النظام الطبيعي فننسبها إلى الله بصورة مباشرة ، لأنّنا حينئذٍ ومن أجل الفرار من الشرك نقع في الشرك الذي نفرّ منه ، بل انّ ملاك التوحيد في الفاعلية هو الاعتقاد بأنّ الإنسان وفي جميع حركاته وسكناته وأفعاله غير مستقل عن الله سبحانه وعن القدرة الإلهية ، وانّ الإرادة والمشيئة الإلهية فوق إرادة الجميع ولا تفاوت حينئذٍ بين ما يصدر من الإنسان من عمل ، سواء كان عادياً أو كان خارقاً للعادة.
وبعبارة أُخرى : لا بدّ أن نوزن جميع المواقف والأفعال لمخلوقات العالم