بالنسبة إلى المقام الربوبي بحيث لا يستطيع موجود ـ سواء كان ماديّاً أو مجرّداً ـ أن يقوم وبدون الإذن والقدرة الإلهية بإنجاز أي عمل كان ، وانّ كلّ فعل وتأثير بدءاً بتشعشع الشمس ومروراً بنور القمر ونزولاً إلى مشي الإنسان وكلامه وصعوداً إلى إحياء الموتى وشفاء المرضى من قبل المسيح عليهالسلام و ... ، كلّ ذلك يكون في ظل القدرة الإلهية من دون تمييز بين الفاعل العاقل والغير العاقل وبين الأفعال العادية والغير العادية وانّ جميع أفعال الإنسان تكون معلولة له بمعنى ، وبمعنى آخر تكون معلولة لله سبحانه.
وهذه الحقيقة لا تؤيدها وتثبتها البراهين الفلسفية فقط ، بل أنّ الروايات المتواترة عن أهل بيت النبوة والرسالة قد أثبتتها ، وقد عبّرت عن ذلك ب «بل أمرٌ بين الأمرين» وذلك لأنّ طائفة من المسلمين نسبت الأفعال الصادرة من العباد إلى الله سبحانه بصورة مستقيمة وانّ العباد ليسوا إلّا آلة لا غير ، وهذه الطائفة يصطلح عليها العلماء بالمجبرة ؛ وفي مقابل هذه الطائفة هناك طائفة أُخرى يصطلح عليها اسم «المفوّضة» تعتقد أنّ الإنسان مستقل في أفعاله وما يصدر عنه ولا يحتاج إلى القدرة الإلهية ، ويعتقدون أنّ الإنسان محتاج إلى الله سبحانه في وجوده فقط لا في فعله.
ولكنّ الأئمّة المعصومين واستلهاماً من القرآن الكريم وعلوم النبي الأكرم قد ردّوا على تلك الطائفتين وفنّدوا كلتا النظريتين بقولهم :
«لا جَبْرَ وَلا تَفويضَ بَلْ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ المَنْزِلَتَيْنِ». (١)
إنّ قدرة عيسى عليهالسلام على الإحياء والإشفاء يمكن أن ننسبها إلى الله ونقول : «الله هو الذي أحيا» ، ذلك لأنّ قدرة المسيح عليهالسلام تنبع من قدرة الله بحيث
__________________
(١). بحار الأنوار : ٥ / ٧١.