المربّي أدراج الرياح ويكون عمله كالنقش على الماء.
ولا ريب أنّه كلّما كان فعل المربي مطابقاً لقوله ، كلّما تمكّن من جذب الناس إليه ، ويكون ذلك سبباً لتوجه الناس إلى الدين الذي يدعو له.
وأمّا إذا كان هناك انفصام بين القول والعمل ، فلا شكّ أنّه سيفقد حينئذٍ ثقة الناس واعتمادهم عليه وتصديقهم بصحّة دعواه. وحينئذٍ يتساءل كلّ عاقل : لو كان ذلك المربي مؤمناً بصحّة نظريته ورسالته فمن المستحيل أن يمارس عملاً أو يقوم بفعل يخالف تلك النظرية ، بل ينبغي أن يكون هو السبّاق للعمل بما يدعو إليه.
ومن الممكن أن يقال : إنّه يكفي في الاعتماد على النبي مصونيته عن معصية واحدة ، وهي الكذب فقط ، أي أنّه لا يكذب. ولكن من الممكن أن يرتكب مخالفات أُخرى ، وهذا لا يدلّ على زيف دعواه وبطلان نظريته وعجزه عن التربية والهداية.
والجواب : أنّ التفكيك بين المعاصي فرضية محضة لا يصحّ أن تقع أساساً للتربية العامّة لما فيها من الإشكالات :
أوّلاً : أنّ المصونية عن المعاصي نتيجة لإحدى العوامل التي ذكرناه في بحوثنا عند البحث عن حقيقة العصمة حيث قلنا : إنّ العصمة مقابل الذنوب جميعها أو بعضها معلول لسلسلة من الملكات والحالات النفسية التي تردع الإنسان عن الإقدام على المخالفة ، ومن بين تلك الملكات يمكن الإشارة إلى «العشق الإلهي وحبّ الجمال والجلال» أو «الخوف من عواقب الذنوب» وغير ذلك. ففي مثل هذه الصورة كيف يمكن أن نتصوّر التفكيك بين الذنوب؟ وكيف نفترض وجود إنسان مستعد للقيام بأيّ نوع من أنواع الذنوب من قبيل