قتل النفس وهتك الأعراض وأكل المال بالباطل وغير ذلك ولكنّه في نفس الوقت يستحيل أن يكذب على الله تعالى؟ فإذا لم تكن في الإنسان صفة أو حالة الخوف من الله فلا وجه للتفكيك بين الذنوب.
ثانياً : لو صحّ التفكيك بينهما في عالم الثبوت والواقع ، لا يمكن إثباته (الداعي لا يكذب أبداً وإن كان يرتكب سائر المعاصي) في حقّ الداعي ومدّعي النبوة.
إذ كيف يمكن للإنسان أن يقف على أنّ مدّعي النبوة مع ركوبه المعاصي واقترافه للمآثم لا يكذب أصلاً ، حتى ولو صرّح الداعي إلى الإصلاح بنفس هذا التفكيك لسرى الريب إلى نفس هذا الكلام أيضاً.
وخلاصة ذلك : انّ الهدف من بعثة الأنبياء ـ الذي هو هداية الناس ودعوتهم إلى الدين ـ لا يتحقّق إلّا في ظلّ «كسب اعتماد الناس وثقتهم بالداعي».
وإنّ هذا الهدف والمسلك العام لا يتحقّق إلّا من خلال نزاهة وعصمة المربّي ، وعلى هذا الأساس لا بدّ أن يكون الأنبياء ـ وبحكم العقل ـ معصومين من الذنب والعصيان ليتسنّى لهم كسب الناس وانضمامهم إلى الدعوة والسير في طريق الهداية.
ويمكن أن يتصوّر أنّه يكفي في جلب ثقة الناس وقبولهم للدعوة نزاهة النبي عن اقتراف الذنوب وارتكاب المعاصي علانية وعلى مرأى ومسمع من الناس ، وهذا لا ينافي كونه عاصياً ومقترفاً للذنوب في الخلوات وفي الخفاء ، وهذا القدر من النزاهة كافٍ في جلب الثقة.
ولا ريب أنّ هذا التصوّر بحقّ الأنبياء يهدم الهدف من بعثتهم ، وذلك لأنّه في حال تجرّد النبي عن السبب المانع والرادع النفسي عن اقتراف الذنب وإنّما