ومخالفة العصمة.
ونحن إذا راجعنا الآيات المتعلّقة بالنهي عن الأكل من الشجرة المذكورة نجد هناك قرائن تدلّ وبوضوح على أنّ الخطاب ينطلق من موقع النصيحة والإرشاد لا من موقع المولوية والسلطة ، وهذه القرائن هي :
١. ما ورد في سورة طه من قوله تعالى :
(... يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى). (١)
فهذه الآيات تكشف النقاب عن نوعية هذا النهي ، وتصرّح بأنّ النهي كان نهياً إرشادياً ، لصيانة آدم عليهالسلام عمّا يترتب عليه من الآثار المكروهة والعواقب غير المحمودة ، ونحن إذا لاحظنا هذه الآيات ـ الآيات الثلاثة ـ نجدها تحلُّ محل جملة (... وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٢) * الواردة في سورتي البقرة والأعراف.
وبالالتفات إلى وحدة الهدف في الآيتين يتّضح أنّ المقصود من الظلم العمل الذي في غير محله ووضع الشيء في غير موضعه لا بمعنى مخالفة القانون وتخطّي الأوامر وتعدّي الحدود ، إذاً مفاد الآية الواردة في سورة البقرة يتّضح من خلال الآيات الثلاثة الواردة في سورة طه حيث إنّها تحكي لنا وبوضوح أنّ لحن الخطاب الإلهي فيها هو لحن الناصح المشفق لا النهي المولوي ، وهل يوجد لحنٌ أكثر شفقة من قوله :
الف : (إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ).
__________________
(١). طه : ١١٧ ـ ١١٩.
(٢). البقرة : ٣٥ ؛ الأعراف : ١٩.