الْمُبْطِلُونَ). (١)
فلو كان النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم في فترة صباه قد تعلّم القراءة والكتابة وأنّه قد سعى إلى الكتاتيب ودور التعليم كباقي الصبية الذين حضروا تلك الدروس وتعلّموا القراءة والكتابة ، فهل يا ترى يكون بإمكانه أن يصرح بعد نزول الوحي عليه وفي مجتمع يعرف كلّ خصوصياته بهذه الآية التي تنفي عنه القراءة والكتابة ويناديهم وبصوت عال أيّها الناس أنّكم تعلمون أنّني لم أقرأ ولم أكتب أبداً ، فكيف جاز لكم أن تنسبوا مضامين آيات القرآن الكريم إلى الكتب الأُخرى؟!
لا ريب أنّ المتكلّم عند ما يقول : «ما جاءني من أحد» فإنّ لفظة «من» زائدة جيء بها لتأكيد عموم النفي بمعنى أنّه لم يأت إليه أيُّ إنسان أبداً ، وأمّا إذا قال : «ما جاءني أحدٌ» ففي هذه الجملة من الممكن أنّه قد جاءه شخص أو شخصان إلّا أنّ المتكلّم ـ ومن باب المسامحة ـ لم يحسب هذا المجيء ، ولذلك تقوم العرب ولنفي هذا الاحتمال وتأكيده بوضع كلمة «من» قبل الشيء المنفي فتقول «ما جاءني من أحد».
ومن الواضح أنّ الآية الكريمة جاءت مطابقة لتلك القاعدة البلاغية حيث استعملت كلمة «من» في قوله تعالى : (ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ) لتأكيد عمومية وشمولية النفي بأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يقرأ ولم يكتب أيّ كتاب كان. فالخلاصة انّ من قواعد اللغة العربية انّ النكرة إذا وقعت في سياق النفي تدلّ على العموم والشمول خاصة إذا اقترنت ب «من» كما في الآية المذكورة : (ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ).
__________________
(١). العنكبوت : ٤٨.