ولم يكتف القرآن الكريم بهذه الآية في ردّ هذه الأفكار الواهية ، بل نجده في آية أُخرى يأمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن يخاطب العرب ويذكرهم بتاريخ حياته وانّه قد لبث فيهم عمراً يناهز الأربعين ، وأنّهم يعرفون جيداً انّه لم يقرأ كتاباً ولم يخط صحيفة ، فكيف جاز لكم رميي بالإفك الشائن وتطلبون مني أن أُبدّل القرآن ، حيث قال تعالى :
(قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ). (١)
بمعنى : إذا كنتم تعتقدون انّ القرآن نتاج فكري الخاص وترشحات ذهني وأنّني قد قمت بذلك العمل في ظلّ الاستفادة من القراءة والكتابة والاتّصال بالعلماء والمفكّرين من الأديان الأُخرى ولذلك أراكم الآن تطلبون مني أن أُبدّل هذا القرآن بكتاب آخر ، فمن الحريّ بكم أن تلقوا نظرة إلى تاريخ حياتي لتعرفوا هل أملك هذه القدرة سابقاً ، وممّا لا ريب فيه أنّني لو كنت أملك ذلك لذكرت الكثير من تلك المعاني والمضامين قبل البعثة في مجالسكم ونواديكم ، إذ لبثت فيكم قبل ذلك أربعين سنة ولكنّكم لم تجدوا شيئاً من ذلك أبداً فلما ذا كلّ ذلك التفكير الخاطئ (أفلا تعقلون)؟!
من هنا يتّضح جليّاً انّ النبي الأكرم ـ ولسلسلة من المصالح الاجتماعية ـ لم يكن قبل البعثة يعرف القراءة والكتابة وانّه كان رجلاً أُميّاً لم يتعلم عند أحد من الناس ، وكذلك لم يتعلم القراءة والكتابة عن طريق
__________________
(١). يونس : ١٦.