عاماً وشاملاً لجميع الوقائع المشابهة لتلك الواقعة ، لأنّ السبب الذي أوجب إفاضة التثبيت عليه فيها يوجب إفاضته عليه في جميع الوقائع المشابهة ، ولا معنى لتثبيته صلىاللهعليهوآلهوسلم في واقعة وتركه لحاله أمام وقائع أُخرى قد تؤدي به إلى الانزلاق.
٦. انّ تثبيته سبحانه لنبيّه لا يخرج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن كونه فاعلاً مختاراً حيث لا يستطيع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المخالفة ، بل انّه وبالرغم من التثبيت والتسديد الإلهي له يبقى قادراً على الطاعة والعصيان والنقض والإبرام ، ومن هذا المنطلق نجد الآية الثالثة تخاطب النبي الأكرم بالقول : (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً).
وعلى ضوء ما ذكرنا من النكات يتّضح جلياً أنّ الآية المباركة تنسجم انسجاماً تامّاً مع مذاق «العدلية» القائلين بعصمة الأنبياء عليهمالسلام وتبعث الأمل في نفوسهم ، وذلك انّها تدلّ دلالة واضحة على أنّ الله سبحانه وتعالى لا يترك نبيّه لحاله ولا يكله إلى نفسه طرفة عين أبداً ، وانّه سبحانه يأخذ بيده في كلّ المواقع التي يتعرض فيها إلى الخطر والزلل والانحراف ، ويمنحه الثبات والتسديد ، ويبعده عن الاقتراب من الذنب فضلاً عن ارتكابه ، وفي الحقيقة انّ جملة : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ) ، نظير قوله سبحانه : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ). (١)
لكن الآية الأُولى راجعة إلى صيانته عن العصيان ، والثانية ناظرة إلى تسديده عن السهو والخطأ في الحياة ، وبغض النظر عن هذا التفاوت بين الآيتين فإنّ طريقة البيان وكيفية الدلالة في الآيتين متّحدة ، وبعد تمام البحث في هذه
__________________
(١). النساء : ١١٣.