الكلّيات على مصاديقها ، بل المصونية والعصمة في هذا المجال تحتاج إلى دليل آخر لإثباتها من خلاله.
والشاهد على ذلك انّنا إذا لاحظنا سبب النزول الذي ذكر للآية حيث كاد الرسول أن يقع في مشكلة الحكم بخلاف الواقع ، إلّا أنّ اليد الإلهية قد أدركته مع العلم أنّ النبي كان عالماً ومطّلعاً على الأحكام الكلّية ولكن مع ذلك كلّه لم يكن مع علمه بتلك الكلّيات واطّلاعه عليها موجباً لعصمته ومصونيته ، بل الذي صانه هو العلم بالإضافة إلى أمر آخر ، وهذا الأمر الآخر هو ما بيّنته الجملة الثانية في الآية المباركة حيث قال تعالى : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ).
وحينئذٍ يطرح السؤال التالي نفسه ما هي حقيقة ذلك العلم الذي علّمه الله تعالى لنبيّه والذي لم يكن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يعلمه؟ فهل هو العلم بالأحكام الإلهية الكلية التي وردت في الكتاب والسنّة؟ أو أنّ المقصود من العلم هو العلم بخصوصيات الوقائع والأحداث؟
لا شكّ ولا ريب أنّ الاحتمال الأوّل باطل جدّاً ولا أساس له من الصحة ، وذلك لأنّ علم النبي بكليّات الأحكام قد أشارت إليه وبوضوح تام الجملة الأُولى فلا حاجة هنا إلى التكرار والتأكيد ، أضف إلى ذلك لا يوجد من يحتمل أنّ النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن مطّلعاً على أحكام شريعته لكي تتوفر الأرضية لذلك التأكيد من خلال الجملة الثانية.
إذاً المقصود من الجملة هو الاحتمال الثاني ، أي إزاحة الستار عن وجه الحقيقة وكشف الأُمور والحوادث والمؤامرة التي أُريد منها إيقاع النبي في الخطأ والاشتباه وإلصاق التهمة بإنسان بريء ، وهذا ما أشارت إليه آية أُخرى تتعلّق بذلك الأمر حيث جاءت فيها جملة (بِما أَراكَ اللهُ) والآية المباركة هي : (إِنَّا