ولقد ورد نفس هذا المضمون وفي نفس السورة في الآية رقم ١٥٤ إلّا أنّه ورد فيها بدل قوله : (ما لَكَ مِنَ اللهِ ...) قوله تعالى : (إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ).
كما ورد مضمون الآية الأُولى في سورة الرعد الآية ٣٧ مع فارق يسير جداً ، وهو انّه جاء بدل قوله : (وَلا نَصِيرٍ) كلمة (وَلا واقٍ).
إنّ هذه الآيات وما يشابهها من الآيات التي سنذكرها لاحقاً لا تدلّ وبأي شكل من الأشكال على نفي عصمة النبي ، وذلك لأنّ القضية الشرطية لا تدلّ إلّا على الملازمة بين الشرط والجزاء ، لا على تحقّق الطرفين ، فالآية لا تدلّ على تحقّق الشرط «اتّباع هوى المشركين» ولا تدلّ على إمكان تحقّقه ، بل الآية على خلاف المخطئة أدلُّ حيث إنّها تنسجم انسجاماً تامّاً مع القول بالعصمة ، وهذا شبيه قوله سبحانه لنبيّه : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً). (١)
ثمّ يقول سبحانه في الآية التالية : (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً). (٢)
ففي الوقت الذي يعلّق سبحانه مشيئته وإرادته في سلب الوحي من النبي الأكرمصلىاللهعليهوآلهوسلم يطرحها بصورة القضية الشرطية ، ومن المعلوم المقطوع به عند الجميع انّ هكذا مشيئة وإرادة لم تتحقّق أبداً وانّه سبحانه لا يستلب من نبيه ما أوحى إليه ، بل انّه سبحانه يُتم رسالته وشريعته بواسطة النبي الأكرم.
إنّنا وقبل دراسة وبيان النكتة في هذا النمط من الآيات التي تخاطب النبي
__________________
(١). الإسراء : ٨٦.
(٢). الإسراء : ٨٧.