البلدان كالمترقّب من الساكنين في الأقضية والنواحي. وعلى هذا الأساس فما يصدر من الناس العاديّين لو صدر من إنسان آخر أرقى منزلة وأعلى درجة يعدّ قبيحاً ومذموماً ويلام عليه عند العقلاء ، ولذلك نجد أنّ الانضباط في الأوساط العسكرية يكون بدرجة عالية جداً بحيث تعدُّ المخالفة في العرف العسكري ـ مهما ـ كانت صغيرة جداً ، ذنباً وخطأ لا يمكن السكوت عليه ، الأمر الذي يقتضي أن يكون الفرد العسكري عالماً بجزئيات القوانين العسكرية الحاكمة. إذاً كلّما كان مقام الشخص عالياً ومنزلته ساميةً ورفيعةً وكانت مسئولياته خطيرة وعظيمة تزداد تكاليفه وواجباته وانّ ما يتوقّع منه أكبر ممّا يتوقّع من غيره من الناس العاديين.
٢. المثال الآخر الذي يقرّب لنا الفكرة ويصبّها في قالب المحسوس هو مثال العاشقين، فإنّنا إذا نظرنا إلى حال العاشق الولهان نجده هائماً بمعشوقته وذائباً بكلّ وجوده وإحساساته ومشاعره في معشوقه ومحبوبه قلباً وفكراً وروحاً بحيث لا تغيب عن مخيّلته صورة حبيبه ولو لحظة واحدة ، هذه هي لغة الحبّ وقانون العاشقين ، ولذلك تعدُّ أدنى غفلة عن المعشوق ـ ولو كانت لأداء الحاجات الضرورية ـ ذنباً وجرماً حسب لغة العاشقين ، لأنّ قيمة الحبّ تكمن في الاستمرار بالتذكر والذوبان في الخليل ، ومن هذا المنطلق لو غفل العاشق ولو لحظة يرى من اللازم عليه التوبة وطلب الاعتذار حتّى لو كانت غفلته ناشئة من القيام بما يحتاجه من الأُمور الطبيعية المباحة كالأكل والشرب ، لأنّ قانون الحبّ ولغته لا يسمحان له بذلك ويعتبران ما صدر منه جرماً ، ولذلك نرى العاشقين يعرضون عن الأكل والشرب ويهجرون النوم والراحة ويكتفون من ذلك بالنزر اليسير الذي يكفي لسدّ الرمق فقط.