المباحات من العارفين وتحت شروط خاصة تقتضي هي أيضاً طلب العفو والمغفرة.
وأمّا على الاحتمال الثاني فالجملة وإن كانت بظاهرها خبرية إلّا أنّها في الواقع جملة إنشائية تفيد إنشاء الدعاء وطلب العفو والمغفرة والرحمة ، أي بمعنى «عفا الله عنك» و «غفر الله لك» و «أيّدك الله» ، ومن الواضح جدّاً أنّ الآية حينئذٍ لا تدلّ بوجه من الوجوه على صدور الذنب والخلاف من الإنسان العادي فضلاً عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وذلك لأنّ طلب العفو هذا يُعدّ نوع تقدير وتكريم واحترام للمخاطب ، ويستحيل أن يكون ملازماً لصدور الذنب والمعصية منه ، ونحن نرى بالوجدان انّنا حينما نخاطب إنساناً ما بقولنا : «غفر الله لك» فلا يدلّ كلامنا هذا على أنّ الشخص المخاطب قد وقع في الذنب والجريمة فعلاً لكي نطلب من الله أن يغفر له خطيئته وذنبه.
فقد اتّضح جليّاً أنّ الآية ، سواء فُسرت بالوجه الأوّل أو الثاني ، لا تدلّ على صدور الذنب ، بل أنّ ظاهر الآية أنّها جملة إنشائية تفيد الدعاء ، والغرض منها تكريم وتبجيل الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم.
كما أنّه قد اتّضح أيضاً ومن خلال هذا البيان الجواب عن السؤال الثاني ، وذلك لأنّه وإن كان لحن الآية لحن اعتراض ، ولكن هذا الاعتراض على أي شيء؟ لا شكّ أنّه اعتراض على ترك الأولى والأفضل لا اعتراض على ارتكاب المحرم ، والشاهد على هذا المدّعى التعليل الوارد في ذيل الآية ، لأنّ المنافقين حينما طلبوا من النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم الإذن لهم بالبقاء وعدم الخروج للجهاد في معركة تبوك وقد أجازهم النبي وسمح لهم بالبقاء ، وهذه الحالة تحمل في طيّاتها خاصّيتين.
الف : انّ المنافقين كانوا مصمّمين على عدم الخروج للجهاد ، سواء أذن لهم