النبي في البقاء في المدينة أم لم يأذن ، وما كان طلبهم واستئذانهم في البقاء إلّا تظاهراً وتحايلاً يراد منه الحفاظ على ماء وجوههم ، ولكي لا تتّضح حقيقتهم وتنكشف سرائرهم ، ولقد أشارت الآية إلى ذلك المعنى بجملة (وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) ثمّ أردفت ذلك بقوله تعالى :
(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ). (١)
فالآية توضّح وبجلاء أنّهم كانوا عازمين على عدم المشاركة في الجهاد ولم يفكّروا بالخروج أبداً ، وما كان استئذانهم إلّا نوع تغطية لقبيح عملهم ، ولكن تظاهروا أمام الناس أنّهم لو لا إذن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لهم في البقاء لكانوا في صفوف المجاهدين يقاتلون العدو جنباً إلى جنب ، وفي الواقع أنّ عملهم هذا من قبيل ما يقوم به المجرمون من مسح أثر الجريمة.
ب : على فرض أنّ هذه الطائفة كانت عازمة على الخروج إلى الجهاد مع المؤمنين إلّا أنّ خروجهم هذا في الواقع لا يحلّ أي عقدة ولا يزيل أي مشكلة ، بل أنّ وجودهم سيكون سبباً لانتشار الريب والشكّ والفوضى في صفوف المقاتلين المؤمنين ، وقد أشارت الآية الكريمة إلى هذا المعنى بوضوح تام حيث قال تعالى :
(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ). (٢)
وعلى هذا الأساس فإنّ قبول طلب هذه الطائفة ـ التي إمّا أن تكون غير
__________________
(١). التوبة : ٤٦.
(٢). التوبة : ٤٧.