قاصدة للخروج للجهاد أصلاً ، أو على فرض الخروج للجهاد ، فإنّ وجودها لا يزيد المسلمين إلّا ضرراً ـ لا يفوّت على المسلمين أي مصلحة من ناحية القوة ، نعم الذي يفوت في هذا الإذن في البقاء هو مصلحة شخص النبي الأكرم ، إذ لو لم يأذن لهم في البقاء وأمرهم بالخروج للجهاد لانكشف وظهر كذبهم وخداعهم له وللمسلمين ، ولقد أشارت الآية إلى هذا المعنى حيث قال سبحانه : (... لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) (١)
ولا ريب أنّ تفويت هكذا مصلحة يُعدّ من قبيل ترك الأولى.
بل يمكن القول : إنّ في هذه الواقعة لم يصدر من النبي حتّى ترك الأولى وإنّما الآية تسعى إلى إظهار معنى آخر ، وهو بيان الأخلاق العالية التي يتحلّى بها الرسول الأكرم من اللطف والرحمة و ... ، وكأنّ الآية تخاطب الرسول بقولها : يا رسول الله لما ذا تعاملت معهم بهذه الدرجة من اللين واللطف والحياء والتواضع وأذنت لهم ولم تدع ماهيتهم وحقيقتهم الزائفة تنكشف لك وليتميز لك العدو من الصديق؟!
إنّ الهدف من هذه الخطابات الحادة بيان ماهية وحقيقة المنافقين الكاذبة ، ولكن بأُسلوب غير مباشر حيث وجّهت العتاب إلى أعز وأكرم إنسان وهو النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّ العواطف اللامتناهية لذلك الإنسان العظيم والعزيز تمنعه من تحقير وإذلال عدوه بصورة مباشرة.
ومن الطبيعي انّه لا يدرك هذا النوع من لطيف الخطاب إلّا من عرف طريقة مخاطبة العظيم للإنسان العزيز.
وهناك نكتة مهمة لا بدّ من الإشارة إليها وهي أنّه صحيح أنّ النبي
__________________
(١). التوبة : ٣١.