ولكن إذا أمعنّا النظر في الآيات الثلاث يتّضح لنا وبجلاء انّ المراد من الآية ليس هو الذنب الشرعي ـ أي ما اعتبره القرآن والسنّة ذنباً ـ بل المراد هو الاتهامات والنسب التي كان المشركون وخصوم الرسالة يصفونه بها ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد واجه المشركين والملحدين مواجهة صارمة وحادّة حيث سفّه أحلامهم وذمّ آلهتهم وكشف عن انحرافهم مستعيناً بالبراهين والأدلّة الساطعة والمحكمة ، فكانت ردّة فعلهم أن وصفوه صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّه كاهن وساحر وكذّاب ، فكان النبي في نظر هؤلاء مذنباً ولم ترتفع تلك التهم والافتراءات عنهصلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا بعد فتح مكة وما شاهدوه من الخلق السامي له صلىاللهعليهوآلهوسلم في التعامل معهم ، فإذاً المقصود من الذنب ما كان قريش تصفه به ، كما أنّ المراد من المغفرة هو إذهاب وإزالة آثار تلك النسب من المجتمع.
ولقد أشار الإمام الرضا عليهالسلام عند ما سأله المأمون عن مفاد الآية فقال : «لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنباً من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنماً ، فلمّا جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا :
(أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ* وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ* ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ). (١)
فلمّا فتح الله عزوجل على نبيّه محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم مكة قال له : يا محمد : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ) (مكة) (فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) عند مشركي أهل مكة بدعائك إلى توحيد الله عزوجل فيما تقدّم ، وما تأخّر ، لأنّ مشركي مكة ،
__________________
(١). ص : ٥ ـ ٧.