خارجة في الواقع عن إطار الانتخابات والديمقراطية والشورى وغيرها ، ولا معنى لكلّ هذه المناهج هنا ، وذلك لأنّ النبوة في الواقع ترتبط بمسألة المعرفة وعدم المعرفة ، والإيمان والإنكار، والتصديق والتكذيب وهذه الأُمور لها أُسلوب خاص ومنهج معين لمعالجتها لا يتماشى أبداً مع أُسس الانتخابات والشورى وغيرها.
فلو أنّ جميع سكّان المعمورة انتخبوا وبحرية تامّة إنساناً ما (كمسيلمة الكذّاب) لمقام النبوة ولم يخالف في ذلك أحد ، وفي نفس الوقت لو أعرض الجميع عن إعطاء رأيهم إلى الرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم فلا ينبغي للديمقراطيين والليبراليين أن يعتبروا لذلك الانتخاب والرد أدنى قيمة موضوعية ، كذلك لا معنى هنا لمفاهيم ونظريات أُخرى كالوراثة ، والتنصيب أو الانتخاب البشري ، أو الغلبة والانتصار و ... ، إذ انّ منصب النبوة ومقام الرسالة منصب إلهي ومقام سماوي لا يخضع لجميع تلك المعايير التي ذكرناها والتي يعتمدها أبناء النوع الإنساني لتعيين وتنصيب المسئولين والحكام.
فإذا عرفنا ذلك نقول : إنّ الأمر نفسه يجري في مقام الإمامة ، وبتعبير أصح : إنّ ملاك الإمامة أمرٌ حقيقي وواقعي في الإمام ، كما أنّ النبوة حقيقة في النبي ، وكذلك النبوغ فانّه حقيقة واقعية في النابغة. وعلى هذا الأساس لا بدّ من السعي لمعرفة النبي أو الإمام أو النابغة لا تعيّنهم.
ومن الواضح أنّه قد يتسنّى تارة للأُمّة الوصول إلى المنهج الموضوعي لتمييز الجواهر الحقيقية عن المزيّفة. وأُخرى لا تمتلك الأُمّة هذا المنهج فلا بدّ أن تستعين بطريق آخر للتمييز ، وهذا الطريق في الواقع هو الوحي الإلهي ، ويستحيل اعتماد السنن الارستقراطية أو الانتخابات المزوّرة ، أو من خلال انتحال وخلق الفضائل الزائفة التي لا تقوم على أساس موضوعي وقاعدة