عملهم شركاً ويُعدّ عمل غيرهم شركاً وضلالاً ومحاربة للإسلام؟!
إنّ المنع عن تعظيم الأنبياء والأولياء وتكريمهم ـ أحياء وأمواتاً ـ يصوّر الإسلام في نظر الأعداء ديناً جامداً لا مكانة فيه للعواطف الإنسانية ، كما يصوّر تلك الشريعة السمحاء المطابقة للفطرة الإنسانية شريعة تعتقد الجاذبية المطلوبة القادرة على اجتذاب أهل الملل الأُخرى واكتسابهم.
وما ذا يقول الذين يخالفون إقامة مجالس العزاء للشهداء في سبيل الله في قصة يعقوبعليهالسلام الذي بكى على ابنه حتى ابيضّت عيناه من الحزن؟! وما ذا يكون يا ترى حكم النجديين وأتباع محمد بن عبد الوهاب لو كان النبي يعقوب عليهالسلام يعيش في أوساطهم فعلاً؟! وبما ذا يصفون حزنه وبكاءه على ولده يوسف عليهالسلام؟! إنّه عليهالسلام بكى ولده ليلاً ونهاراً ، وسأل عنه القريب والبعيد والقاصي والداني وحثّ الجميع للبحث عنه وتقصّي أخباره ، ولقد وصف لنا القرآن الكريم شدّة حزنه وتحرّقه على ولده وذهاب بصره بقوله تعالى : (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ ...). (١)
إنّ ذهاب بصر يعقوب عليهالسلام ومرضه لم يؤديا إلى نسيان يوسف فحسب ، بل كلّما اقتربت ساعة اللقاء كلّما اشتدّت شعلة العشق والشوق في قلب الشيخ الكبير لولده العزيز ، ولذا نرى القرآن الكريم يصف لنا تلك الحالة بأروع وصف ، حيث أشار إلى أنّ يعقوبعليهالسلام قد أحسّ بريح يوسف وشمّ عطره المبارك ، وما زالت القافلة التي تحمل قميصه عليهالسلام تبعد عن يعقوب عليهالسلام عدّة فراسخ (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ). (٢)
__________________
(١). يوسف : ٨٤.
(٢). يوسف : ٩٤.