لا بدّ من انطباق أحد العناوين الذاتيّة الأوّليّة للحسن أو للقبح عليه ، فيكون الاتّصاف ذاتيّا ؛ فإنّ ما بالعرض لا بدّ من انتهائه إلى ما بالذات وإلّا لتسلسل ولا ينقطع السؤال بلم أبدا.
مثلا يقال : لم صار ضرب اليتيم للإساءة قبيحا؟ فيقال : لأنّه ظلم ، ثمّ يقال لم صار الظلم قبيحا؟ فيقال لأنّه إيذاء ، ثمّ يقال : لم صار الإيذاء قبيحا وهكذا ، يتسلسل ، فلا بدّ من انطباق عنوان عليه كان أحدهما ذاتيا له حتّى ينقطع السؤال ؛ فإنّ الذاتي لا يعلّل ، والقائل الثاني ينظر إلى العنوان الذاتي لنفس الفعل مثل ضرب اليتيم ؛ فإنّه بعد انطباق الظلم عليه يسري قبحه إليه ويصير قبيحا بالعرض.
وبالجملة فالمتجرّى به أعني شرب المائع مثلا يكون قبحه بالوجه والاعتبار ولا كلام مع هذا القائل من هذه الجهة ، إنّما الكلام معه في أنّ عنوان شرب المقطوع الخمريّة الذي هو عنوان ووجه عارض على شرب المائع يكون قبيحا بالذات ، أو لانطباق عنوان آخر عليه؟ يظهر من مواضع من كلامه أنّ قبحه يكون لأجل انطباق عنوان هتك المولى المنعم والاستخفاف بأمره ونهيه والجرأة عليه.
فنقول : لا إشكال في كون هذه العناوين قبيحة بالذات ، وفي الحقيقة يكون من شعب الظلم ، إنّما الكلام في انطباقها على مورد التجرّي دائما ، ولا إشكال أنّا نتصوّر في المعصية الحقيقيّة انفكاكها عن هذه العناوين ؛ فإنّه يمكن أن يكون العبد مع كمال الاعتناء بالمولى وعظم أمره عنده مرتكبا لمعصيته مع كمال التضرّع في هذا الحال راجيا لعفوه لغلبة شقوته عليه ، لا لعدم اعتنائه بمولاه وأوامره ، كما هو الحال في فسّاق المسلمين.
ويدّل على إمكان ذلك قوله عليهالسلام في دعاء أبي حمزة : «إلهي لم أعصك حين عصيتك وأنا بربوبيّتك جاحد ، ولا بأمرك مستخفّ ، ولا لعقوبتك متعرّض ، ولا لوعيدك متهاون ، ولكن خطيئة عرضت وسوّلت لي نفسي وغلبني هواي وأعانني عليها شقوتي وغرّني سترك المرخى علي».
وبالجملة ، فإذا فرضنا المعصية الحقيقيّة خالية من جميع تلك العناوين فالتجرّي