وبالجملة ، فليس كلّ مصلحة ومفسدة متضادّين ، بل لو قلنا في مبحث اجتماع الأمر والنهي بالامتناع أيضا فلا نقول بوقوع الكسر والانكسار إلّا في نفس الطالب بين إرادتيه ، لا في الخارج بين المفسدة والمصلحة ، ففي المثال لو كان حبّه بزوال الصفراء أكثر من حبّه بعدم عروض الضعف يريد الشرب ويغضّ النظر عن عروض الضعف ، ولو كان العكس كان العكس.
وأمّا لزوم التفويت أو الإلقاء أحيانا من العمل بالحكم الظاهري فنلتزم لدفعه بوجود مصلحة في العمل على طبق الظاهري يتدارك بها المصلحة الفائتة أو المفسدة الواقعة فيها.
«تقرير هذا الوجه (١) وتوضيحه مرّة أخرى»
المقدّمة الاولى : أنّ الأحكام المتعلّقة بالموضوعات ليست كالأعراض الخارجيّة مثل حرارة النار وبرودة الماء وبياض اللبن ، فاتّصاف هذه بهذه الأوصاف لا يتوقّف على حضورها في ذهن ذاهن ، بل هي واجدة لها في الخارج وإن لم يتصوّرها أحد ، وهذا بخلاف الأحكام ، فإنّ عروضها على موضوعاتها لا يحصل إلّا بتوسّط ملاحظة الموضوع وتصوّره ، فالتصوّر دخيل في عروضها وهذا واضح.
المقدّمة الثانية : أنّ الطالب لشيء متى تصوّر هذا الشيء وتصوّر جميع حالاته التي تطرأ عليه وقلّبه في عالم التخيّل مع كلّ واحدة من تلك الحالات فهذا يكون على ثلاثة أقسام :
الأوّل أن يكون هذا الشيء مع جميع حالاته مطلوبا.
والثاني : أن يكون مع بعضها مطلوبا ومع بعضها غير مطلوب ، والصورة
__________________
(١) أي ترتّب الأمر بالعمل بمؤدّى الأمارة على الأمر بالواقع ، وانظر الصفحة : ١٦٨.