المقدّمة الثالثة وهي أيضا واضحة ، وهي أنّه لو فرضنا عنوانين ليس لهما جمع في عالم الخيال ، بل لهما فيه وجود بدلي وكان في أحدهما مقتضي المبغوضيّة وفي الآخر مقتضى الترخيص فالعنوان الأوّل يصير مبغوضا مطلقا ، والثاني مرخّصا فيه كذلك وإن فرض جمعهما في الوجود الخارجي ، وهذا بعد وضوح المقدّمتين السابقتين لا إشكال فيه ؛ فإنّك قد عرفت أنّ عروض الأحكام إنّما هو بتوسيط الذهن.
فإن وصل ما فيه مقتضي المبغوضيّة بما فيه مقتضي الترخيص في عالم الخيال يوجب صرف الترخيص عمّا فيه مقتضيه ، ولكن هذا فرع إمكان الوصل الذهني والجمع اللحاظي ، والمفروض عدم إمكانه ، ومعه لا ثمرة لإمكان الجمع في الخارج بعد أنّ عروض المبغوضيّة والترخيص إنّما هو بتوسيط الذهن ، فلا محالة يصير ما فيه مقتضى البغض محلا للكراهة المطلقة ، وما فيه مقتضى الترخيص محلا للترخيص المطلق ، ولا كلام في ذلك.
إنّما الكلام والإشكال في تشخيص صغراه وأنّ العناوين الأوّليّة المتعلّق بها الأحكام الواقعيّة مع العناوين الثانوية التي هي موضوع الأحكام الظاهرية يكون من هذا القبيل؟
فنقول وعلى الله التوكيل :
أمّا المرحلة الاولى وهو عدم جمع العنوان الثانوي مع الأوّلي في رتبة لحاظ الأوّلي للحكم عليه بالحكم الواقعي فهو واضح ؛ فإنّ الحكم على الخمر مثلا بالحرمة والمبغوضيّة لا يمكن إلّا مع تجرّده عن المبغوضيّة ؛ فإنّ عروض العرض على المحلّ لا بدّ وأن يكون في حال خلوّ المحلّ عن هذا العرض ، ففي هذه المرحلة الخمر المشكوك مبغوضيّته لا يمكن تصوّره ، فلا محالة لا يحكم عليه إلّا بالحرمة ؛ فإنّه مع كلّ حالة يمكن لحاظه معها في هذه المرحلة لو لوحظ لا يوجد فيه سوى المفسدة.
وأمّا المرحلة الثانية وهو عدم اجتماع الأوّلي مع الثانوي في عالم لحاظ الثانوي للحكم عليه بالحكم الظاهري ففيها الإشكال ، ووجهه أنّ من يلاحظ الخمر