المشكوك مبغوضيّته فهو قد لاحظ عنوانين : شرب الخمر ومشكوكيّة الحكم ، والأوّل هو الذي لاحظه في المرحلة الاولى وحكم عليه بالمبغوضيّة المطلقة ، فكيف يحكم في الثانية بالإباحة أو الوجوب؟ وليس هذا إلّا اجتماع الضدّين وهما الحبّ والبغض ، والإرادة والكراهة ، والوجوب والحرمة ، أو الحرمة والإباحة ، أو المتماثلين في محلّ واحد في النفس.
وجوابه أنّ البغض قوامه إنّما هو بوصف خاص وكيفيّة مخصوصة تعقليّة ، وحينما يعرض ضدّه ينفكّ عنه هذه الكيفيّة والوصف ، بل يحصل له في عالم التعقّل كيفيّة اخرى مضادّة لتلك الكيفيّة ، ولا ضير في اجتماع الضدّين في عالم النفس في شيء واحد مع اختلاف كيفيّة تعقّله عند عروض كلّ من العرضين المتضادّين.
ولتوضيح ذلك نمثّل لك مثالا وهو : أنّ الإنسان مثلا إنّما يعرض عليه وصف الكليّة في الذهن عند تعقّله مجرّدا عن جميع الخصوصيّات والضمائم ، ولا يصير كليّا مع ملاحظته معها ، فقوام كليّته يكون بوصف تجرّده ، مع أنّ التجرّد لا يمكن أن يقع قيدا له ، فإنّ اللاحظ لو لاحظ وصف التجرّد أيضا فلا ينطبق على أمر آخر ، وليس إلّا نفسه ، فيكون قوام الكليّة بثبوت التجرّد في عالم النفس واقعا وعدم كونه ملحوظا للحاكم.
ثمّ لو لاحظ هذا الحاكم نفس الإنسان الذي لاحظه أوّلا وحكم عليه بالكليّة بملاحظة ثانويّة مع ملاحظة حالة تجرّده فلا يحكم عليه هذا الحاكم في هذا اللحاظ الثاني إلّا بالجزئيّة ، فقد اتّصف الشيء الواحد وهو الإنسان في عالم النفس بعرضين متضادّين وهما الجزئيّة والكليّة مع كون الحاكم واحدا.
ونظير ذلك أيضا اجتماع الجزء والكلّ في أجزاء المركّب ؛ فإنّها على ما ذكره الاصوليّون وأهل المعقول يلاحظ.
تارة على نحو خاص وهو لحاظه لا بشرط وعلى سبيل الاندكاك في الكل ، فيحكم حينئذ عليه بعينيته مع الكلّ ويصير متعلّقا للوجوب النفسي مثلا.
واخرى يلاحظ بما هو شيء برأسه وعلى سبيل الاستقلال ويعبّر عنه بلحاظه