محدثا للحكم بنظر العالم وهو محال للدور (١) ، نعم يمكن أن يكون علم شخص يرى للحكم واقعا محدثا له بنظر شخص آخر.
والثاني : هو القول بأنّ الشارع لكونه عالما بالغيب يعلم بأنّ ما يجعله وينشئه أيّ مكلّف يصل إليه ، وأيّ مكلّف لا يطّلع عليه وإن تتّبع ، فمن أوّل الجعل يخصّ جعله بمن يعلم أنّه يتتبّع ويطّلع ، دون من لو تتّبع لا يطّلع أو يطّلع على الخلاف ، وهذا هو الشأن في أوامر الموالي الظاهريّة بالنسبة إلى عبيدهم أيضا ، فإنّهم يخصّون أحكامهم وأوامرهم بمن يعلمون أنّه يسمع صوتهم ، ولا يوجّهون الحكم نحو من يعلمون عدم سماعه.
وعلى هذا فصلاة الجمعة في حقّ من يؤدّي نظره إلى وجوبها واجبة بجعل الشارع من أوّل الأمر ، وفي حقّ من يؤدّي إلى حرمته محرّمة كذلك ، وهذا وإن كان لا يستلزم محذورا عقليّا ، ولكن يمكن دعوى الإجماع القطعي على بطلانه ؛ فإنّ كلّ أحد يعلم بالضرورة بأنّ لله تعالى في كلّ واقعة حكما واحدا يساوي فيه جميع المكلّفين.
الثالث : هو القول بأنّ لله تعالى في كلّ واقعة حكما واقعيّا يساوي فيه العالم والجاهل ، إلّا أنّ طروّ عنوان كون العمل ممّا أخبر بوجوبه العادل يوجب انقلاب المفسدة الكامنة في ذاته إلى المصلحة ، فيكون الحكم الواقعي في حقّ من قام عنده الأمارة اقتضائيّا فقط ، ولم يصل إلى مرتبة الفعليّة ، وهذا وإن كان ممكنا عقلا وليس بمثابة الثاني في ثبوت الإجماع القطعي على بطلانه ، إلّا أنّ الأساتيد نقلوا الإجماع على بطلانه.
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني أعلى الله مقامه اختار لدفع المحاذير المذكورة وجها آخر وهو أنّها بين ما ليس بمحذور وبين ما ليس بلازم ، ثمّ بيّن هذا بوجهين.
الأوّل : أنّه ليس المجعول في مورد الأمارات هو الحكم ، بل المجعول هو الحجّية
__________________
(١) بيانه قد سبق قبل هذا فليراجع.