بناء على أنّ الحجيّة أمر وراء الحكم وتناله يد الجعل ، بمعنى أنّ الحجيّة ليست منتزعة من الأحكام ولا مستتبعة لها ، فإنّه قد يقال : إنّ الصادر الأمر بتصديق العادل وبسبب ذلك ينتزع الحجيّة ، فيقال : قد تمّ الحجّة ، فإنّ أمر المولى حجّة ذاتيّة ، وقد يقال : إنّ الحجيّة بنفسها مجعولة ، لكن يلزمها الحكم المولوي والأمر بالمتابعة ، فالمدّعى أنّ الحجيّة الصرفة المعرّاة عن الحكم سابقا ولا حقا مجعولة ، فيصير موضوع حكم العقل بلزوم الاتباع ، والمقصود منه إعطاء شيء حال العلم.
فكما أنّ العبد العالم بأمر مولاه أو نهيه يكون علمه حجّة بالذات بمعنى أنّه لو طابق الواقع تنجّز الواقع ، فلا عذر له لو خالف وعصى ، ولو كان جهلا مركّبا يعذّر العبد ، فلا عذر للمولى في عقوبة العبد على المخالفة ، فكون العلم حجّة معناه كونه على حالة يصحّ به الاحتجاج ، ومن آثاره حسن العقوبة على الترك عند المصادفة وقبحها عند عدمها وإسقاط العذر من الطرفين.
ثمّ هذا المعنى في العلم ذاتي وجدانا ، فإنّ من يرى أمر المولى بلا سترة فلا عذر له ويستحقّ العقوبة ، فأمر المولى حجّة ذاتيّة وما وراءه ليس هكذا قطعا ، فربّما يدّعى أنّ للشارع أن يحدث ويوجد هذا المعنى فيه بعد ما لم يكن بتوسّط الجعل والإنشاء ، كما يوجد الأحكام ، وذلك كما لو قال المولى لعبده : جعلت قول الشخص الفلاني حجّة بيني وبينك ، بحيث لو اتبعته وظهر مخالفته ما كان لي عذر في عقوبتك وحقّ لمؤاخذتك ، ولو خالفته وكان مطابقا ما كان لك العذر.
وفيه أنّ الحجيّة ليست إلّا سببيّة مخصوصة وهو كون الشيء سببا لرفع العذر عمّا بين شخصين ، كما أنّ السند عبارة عمّا هو سبب لرفع الكلام عن بين مترافعين.
وبالجملة ، لا يتصوّر معنى للحجيّة إلّا السببيّة لصحّة العقاب ولعدم صحّته وقد قرّر في محلّه أنّ مطلق السببيّة غير قابلة للجعل ، وعلّل بأنّه لا بدّ من وجود سنخيّة ومناسبة بين العلّة ومعلولها ؛ فإنّ المعلول مرتبة نازلة للعلّة ، ولأنّه لو لا ذلك لأثّر كلّ شيء في كلّ شيء، والنسخيّة إن كانت بين شيئين فهو ، وإلّا فلا يمكن إحداثها في فاقدها.